من جديد تطرح بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا رؤية للتعاطى مع حالة الانسداد السياسى الليبى، إلا أن هذه المرة تختلف عما سبق، حيث توضح المبادرة الأممية الجديدة مدى تسطيح الأمم المتحدة للأزمة الليبية، وعدم دراستها لطبيعة المشهد السياسى والعسكرى والاقتصادى فى البلاد خلال السنوات الأخيرة.
المبادرة الجديدة التى طرحها المبعوث الأممى لدى ليبيا عبد الله باتيلى خلال الإحاطة، التى قدمها أمام مجلس الأمن الدولى فى 27 فبراير الماضى، تقترح تشكيل لجنة عليا للانتخابات يتم تعيينها من قبل بعثة الأمم المتحدة، للانتهاء من وضع الأساس الدستورى ومعالجة نقاط الخلاف فى الإعلان الدستورى، والعمل على وضع القوانين الانتخابية اللازمة لإنجاز الانتخابات فى البلاد.
وبحسب ما علمنا أن مدة عمل اللجنة التى تقترحها البعثة الأممية تنتهى بنهاية أبريل المقبل، حتى يتسنى لها الإعداد اللوجيستى للانتخابات، وسيكون عمل هذه اللجنة ملزما على أن يتم تشكيلها من حوالى 40 شخصا يمثلون مجلسى النواب والأعلى للدولة والمكونات السياسية والقبائل والمرأة والشباب وعدد من العسكريين.
المبادرة الأممية تسعى إلى تكليف اللجنة المقترحة بوضع خارطة طريق بخطوات محددة نحو إجراء الانتخابات، ووضع ميثاق بين الأطراف السياسية لضمان القبول بنتائج الانتخابات، والتوافق على آليات تأمين العملية الانتخابية، وتوحيد السلطة التنفيذية، واتخاذ إجراءات انتقالية لضمان حيادية الحكومة الموحدة وخلق فرص متكافئة لكل المرشحين.
المشكلة الحقيقية فى المبادرة الأممية تكمن فى عدم وضوح المعايير والرؤية التى سيتم الاستناد عليها فى اختيار المشاركين فى هذه اللجنة، وهو تكرار للفشل السابق خلال اختيار البعثة الأممية للجنة "75"، التى اختارت سلطة تنفيذية لم تلتزم بخارطة الطريق التى تفضى لإجراء الانتخابات، ما أدخل ليبيا فى متاهة جديدة تسببت فى تعثر إجراء الانتخابات ودخول البلاد فى حالة انسداد سياسى.
ومع تحرك مجلسى النواب والأعلى للدولة الليبيين لتحقيق التوافق الوطنى والعمل على وضع خارطة طريق وإقرار البرلمان للتعديل الـ13 للإعلان الدستورى الليبى، باتت الأمور أفضل مما كان عليه المشهد الليبى، حيث تسببت حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية فى إفشال عملية إجراء الانتخابات بسبب سياساتها وتحركاتها الرامية للتمديد لها لفترات أطول، لتحقيق أكبر مكاسب سياسية ومادية من خزينة الدولة الليبية.
الغريب فى إحاطة المبعوث الأممى لدى ليبيا إغفاله للملكية الوطنية الليبية لحل الأزمة فى البلاد، وتجاوز البعثة لدورها المتمثل فى التوسط بين الفرقاء الليبيين إلى محاولة فرض رؤية خارجية يمكن أن تؤدى إلى تعزيز الانقسام بين الأطراف السياسية والعسكرية، فضلا عن إغفال المبعوث الأممى للدور العبثى الذى مارسته حكومة الوحدة منتهية الولاية، والتى تسببت فى إفشال عملية إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية فى 24 ديسمبر 2021.
وأغفلت إحاطة المبعوث الأممى تأجيل جلسات المجلس الأعلى للدولة نتيجة الحصار الذى تعرض له المجلس من بعض أنصار شخصيات تنفيذية فى طرابلس تسعى لإفشال أى توافق ليبى يهدف لإجراء الانتخابات وفق خارطة طريق وطنية ليبية، فضلا عن عدم تطرقه إلى الصراعات المسلحة المتكررة بين الميليشيات التى تتصارع على كعكعة النفوذ والاعتمادات المالية.
المبادرة الغامضة التى طرحها المبعوث الأممى لدى ليبيا عبد الله باتيلى قوبلت برفض رسمى من قبل رئاسة مجلس النواب الليبى، تأكيدا على رفض التدخل فى الشأن الليبى، وتحتاج البعثة الأممية لتوضيح عدد من النقاط الغامضة، منها الحكومة التى ستشرف على تنظيم الانتخابات، وهل ستجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن؟، ومن هى الجهة التى ستعتمد مخرجات اللجنة التى اقترح المبعوث الأممى تشكيلها؟، وموقف البعثة الأممية من التعديل الـ 13 للإعلان الدستورى، وما هى الضمانات لقبول كافة الأطراف الليبية بقوانين الانتخابات وبنتائج العملية الانتخابية فى البلاد؟، أسئلة مشروعة تحتاج لرد واضح من البعثة الأممية وعمل مكثف للوقوف على شواغل الليبيين والحالة الليبية بعمق بعيدا عن السطحية.
الرؤية الأممية المعلبة والتى يسعى المبعوثون الأمميون فرضها على المكونات الليبية فشلت خلال السنوات الماضية فى إيجاد حل مقبول لكافة الأطراف الليبية، وبالتالى ستفشل مبادرة المبعوث الأممى التى توضح عدم وجود قراءة دقيقة من البعثة الأممية للمشهد الحالى فى ليبيا، الذى يتطلب عدم فرض حلول خارجية أو تدخل فى المشهد الليبى، نظرا لحساسية الوضع الراهن فى ليبيا، ورفض شريحة واسعة من الليبيين لأى حلول خارجية لأزمتهم التى تعقدت منذ 2011، نتيجة التدخلات الخارجية وخطايا البعثات الأممية المتلاحقة.