فى قصة الضجة التى أثارتها نائبة البرلمان زينب سالم لخلافها مع ضابط قسم شرطة مدينة نصر أشياء كثيرة كاشفة لاعوجاج أحوالنا.
أحداث القصة بدأت طبقا لتحريات وتحقيقات الشرطة بتوجه النائبة إلى قسم أول مدينة نصر على أثر القبض على نجل شقيقتها لاعتدائه بمطواة على شقيق فتاة قام بمعاكستها، وعندما ذهبت إلى القسم شاهدت نجل شقيقتها بالكلبشات فطلبت من أمين الشرطة فكه وإخراجه من القسم، وعندما رفض تعدت عليه بالضرب ومزقت ملابسه، وعندما سمع الضابط صوت الضجيج خرج وتوجه إلى النائبة، فتعدت عليه بالسب، وقالت له: «أنا أقعدكم فى البيت أنتم متعرفوش أنا مين، ومزقت زرار بدلته».
نفت النائبة اتهامات الضابط لها، واتهمته هو بالتعدى عليها بالضرب وتوجهت إلى مستشفى هليوبوليس لعمل تقرير طبى، والأهم أنها كتبت فى الساعة الثالثة صباحا رسالة على إحدى جروبات الواتس الخاصة بالنواب تقول: «استغاثة من نائبة زميلة الحقونى من قسم مدينة نصر أول»، وانتقل النائب سليمان وهدان وكيل مجلس النواب والنائب مجدى مرشد رئيس لجنة الصحة إلى محل إقامتها للاطمئنان عليها».
تطورت الأمور فيما بعد لنرى أداء سيئا من بعض النواب يصدر نموذجا سيئا للممارسة البرلمانية أمام الرأى العام. رأينا النائبة مارجريت عازر تنتفض غاضبة وتتحدث فى بيان صحفى عن أن الاعتداء على النائبة بمثابة إهانة لمجلس النواب بأكمله ولابد من محاسبة الضابط المعتدى، ووصل الغضب بالنائبة مارجريت إلى حد طلبها لعقد اجتماع عاجل للجنتى الدفاع والأمن القومى وحقوق الإنسان لمناقشة واقعة الاعتداء على النائبة، تخيلوا اجتماع لكل هذه اللجان لمناقشة واقعة، الطبيعى فيها أن يكون احترام القانون هو الأساس والمخطئ يتم محاسبته طبقا لذلك، غير أن النائبة «مارجريت» لم تنس أن تذكر الناس بـ«الحصانة البرلمانية» التى تتمتع بها النائبة.
المأساة بلغت حد التهديد باستجواب وزير الداخلية، وطبقا لتصريحات النائبة نادية هنرى عن حزب المصريين الأحرار للزميلة الشروق فى عددها الصادر أمس، حدث تراجع عن هذا الاستجواب بعد اعتذار للنائبة عبر اتصال تليفونى، وقالت مارجريت عازر، إن الوزير قدم اعتذارا وحاسب الضباط والأمناء، وأن الأمر قد يعرض بالجلسة العامة، والاستجواب من عدمه أمر يعود للنائبة المتضررة.
كل وقائع هذه القصة تؤكد خللا كبيرا وفاضحا فى أداء بعض النواب، وبعيدا عن اتخاذ مواقف مسبقة من الأداء السلبى لبعض ضباط وأمناء الشرطة، ومواقف مسبقة من شكل البرلمان الحالى، فإننا أمام نواب هم أبطال الحدث يفتقدون إلى الحس الشعبى والسياسى الذى يجب أن يكون عليه النائب.
فما معنى التهديد باستجواب وزير الداخلية نتيجة حدث من هذا النوع؟ وما معنى هذا الحماس المبالغ فيه لدعوة عدة لجان برلمانية للاجتماع، وكأننا أمام كارثة وطنية كبرى تساوى كارثة بناء سد النهضة؟ وما معنى أن يتم سحب التهديد بالاستجواب فور ما هو منسوب لوزير الداخلية من اعتذار قدمه للنائبة المذكورة؟ هل تحمس هؤلاء النواب بنفس الدرجة لمواقف يتعرض مواطنون عاديون لها يوميا فى التعامل مع أجهزة الدولة ويذوقون العذاب خلالها؟ أى خلل هذا الذى يعبر عن ثقافة وممارسات القبيلة؟
قبل أسابيع انتفض عدد من النواب غضبا ضد نقابة الصحفيين حين دافعت عن نفسها أمام هجمة الأمن عليها، وذهب هؤلاء النواب إلى اتهام الصحفيين بأشياء من قبيل: «على رأسهم ريشة»، و«يريدون امتيازات خاصة» و«الكل أمام القانون سواء»، وها نحن الآن أمام نوابا يعطون أسوأ نموذج فى الممارسات البرلمانية، فالناخب لم يذهب إلى صندوق الانتخابات كى يضع صوته لمرشح يتخذ من عضوية البرلمان حماية ووظيفة فور نجاحه.