كلمة " أستاذ " هي كلمة فارسية الأصل ، وهي تعني في اللغة "المُعلم" و "السيد " و "شيخ الكار" وأيضا صاحب الخبرة والإبداع الحقيقي ومن علم أجيال، ومن له فضل علي تلاميذ يدينون له بهذا الفضل ،وكل هذه الصفات والأوصاف لمعني الكلمة الفارسية تنطبق تماما علي الأستاذ محمد صبحي الذي يحتفل اليوم بعيد ميلاده الـ 75، وهو بالمناسبة يكاد يكون الفنان الوحيد الذي يعلن سنه ولا ينكره او يغير في تاريخه .
" الأستاذ " لم تطلق في تاريخ الفن المصري إلا علي قلة من الفنانين الذين هو بالفعل أساتذة ولهم مريدين ولهم مدرسة خاصة وأسلوب في تقديم وتعليم الفن، وكان منهم الأساتذة : فؤاد المهندس ، عبد المنعم مدبولي ، يوسف شاهين ، وحيد حامد ، خالد جلال ، وآخرين.
أما الفنان محمد صبحي فهو أحد أساتذة الفن وصاحب مدرسة خاصة في المسرح ، وله معمل مسرحي قدم من خلاله تجارب كثيرة وتلاميذ كثيرين، وصنع نجومية الكثير من الفنانين المتواجدين حاليا علي الساحة الفنية ، وكل العاملين معه في مسرحه وخارجه ينادونه "بالأستاذ " لأنه حقا " أستاذ " ومعلم ومازال يقوم بدوره كأستاذ لأجيال متعاقبة حتي كتابة هذه السطور.
وعلي مدار رحلته في عالم المسرح قدم الفنان محمد صبحي للساحة الفنية الكثير من الممثلين الذين درس لهم اثناء عمله كمدرس بالمعهد العالي للفنون المسرحية أو من خلال فرقته " استديو الممثل " أو من خلال إخراجه أعمالا في المسرح الجامعي ، وتتلمذ في مسرحه وداخل فرقته الكثير والكثير من الفنانين الذين صاروا نجوما علي الساحة حاليا .
الفنان محمد صبحي فنان راسخ في الوجدان والذاكرة بما قدمه من أعمال شكلت وجداننا، وكم بكينا وضحكنا في مسرحياته ومسلسلاته وأفلامه ، وأهم ما يميزه ويجعله في منطقة خاصة لدي الشعوب العربية كفنان كونه مثقفا ثقافة موسوعية، فقد قرأ في التاريخ والأدب والدين والفقه والسياسة والفن والاقتصاد وعلم النفس والاجتماع ، وغيرها من العلوم والفنون، واختار لنفسه طريقا ثابتا في الحياة الفنية علي امتداد أكثر من خمسة عقود من زماننا هذا، و مارس الفن مخرجا وممثلا وكاتبا ومنتجا، وقام بالتدريس وأصبح له منهج باسمه هو منهج محمد صبحي .
وعندما سئل محمد صبحي في أحد حواراته الصحفية عام 1976 عن أمنياته الفنية قال:(اتمني ألا أكون مشهورا ، وانما أخلد في المسرح بأن أصنع مسرحا له مذاق وطعم مصري عربي يمثل مصر عالميا كــــ " الكوميدي فرانسيز " في فرنسا ، و " الأولد فيج " في لندن ، لأنه وللأسف حتي الآن لا يوجد مسرح يمثل مصر عالميا ، يمثلها طابعا وروحا وقلبا ، وانما يوجد مسرح يمثلها لهجة فقط وهذا لا يكفي ، واعتقد أن خطوتي المقبلة ستكون أولي نفحات عطر هذا المسرح ) .
بالفعل تحققت الأمنية، ووضع محمد صبحي لمسرحه منهجا ودعائم قوية أصبحت طقوسا يحرص عليها الجميع ، فلم يكن الفن بالنسبة له غاية ، بل وسيلة لإسعاد وإمتاع الجماهير ،وامتد خط الكوميديا لديه من الأساتذة الكبار حتي وصل إليه ، فكان خير حافظا علي تراثهم وحمل عنهم راية الالتزام والتقاليد ، وظل لأكثر من خمسين عاما في محراب الفن ، فهو نموذجا فنيا احتذي به كثير من تلامذته ، ونهلوا من بحر إبداعه حتي احتلوا الصفوف الأولي ، ويظل محمد صبحي الأستاذ الحافظ علي كبرياء الفن محتلا مكانة مرموقة ومتقدمة كان ولا يزال أهلا لها ، وتتسم مسيرته بالتفرد والتميز مكتسبا سمات خاصة وملامح لم تتشابه مع الآخرين .