تسعى الدولة جادةً لمواكبة التطورات العالمية في كافة المجالات، إيمانًا منها بأهمية اللحاق بركب التطور والحداثة، وخطورة التخلف عنه؛ ومن هذه الجهود التحول الرقمي والذي يشير إلى عملية انتقال أعمال المؤسسة من نظامها السائد لنظام قائم على توظيف التقنية الرقمية في أداء أعمالها، كما يمكن القول بأنه يتضمن توظيف التكنولوجيا كهيكل تنظيمي يشمل المدخلات والعمليات والخدمات التي تُقدمها المؤسسة، ومن ثم تستطيع أن تُحدث تغييرًا جوهريًا في أداء أعمالها؛ لذا يعبر عن التحول الرقمي بكونه الإفادة الوظيفية من التقنيات الرقمية؛ لتتمكن المؤسسة من تحقيق الكفاءة في إنجاز مهامها، وعليه يعمل التحول الرقمي على انتقال المؤسسة لنظام واسع النطاق بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ليساهم في إنجاز الأعمال وتطوير المخرجات وتقديم الخدمات بما ينعكس على الأداء المؤسسي ويحقق الفعالية في الخدمة أو المنتج المقدم.
وتأمل الجمهورية الجديدة في ضوء رؤيتها (2030) في تقديم خدمات رقمية متكاملة ومتعددة للمواطن في كافة مجالات الحياة، ومن ثم سارعت في تدشين البنية التحتية الرقمية (التقنية) لتقديم خدمات متكاملة تتسم بالدقة والسرعة، وتقلل من الهدر في الطاقة البشرية والمادية، وتقضي على أوجه الفساد المحتملة، وتوفر المساحات المكانية والاستيعابية، وتحدث نقلات نوعية في كل ما تقدمه من خدمات في شتى المجالات التي تخدم الفرد والمؤسسة على السواء.
ويُحقق التحول الرقمي، للمؤسسات التي تتبناه، عديدًا من الفوائد؛ كتوفير الوقت والجهد والمال، والتحسين والتطوير، والحدّ من المشكلات، والتغلب على ما يطرأ من صعوبات وتحديات، وتغيير الروتين اليومي الممل، وزيادة الحماسة، وتحفيز الهمم، واستمطار الأفكار، ما يؤدي إلى مزيد من الابتكار والتجديد، وصولًا إلى تحقيق الريادة والتنافسية في المجالات المختلفة.
ويعتمد نجاح التحول الرقمي على توافر البنية التحتية والفوقية التقنية، وعلى المهارات النوعية التي يمتلكها القائمون على تقديم الخدمات في صورتها الرقمية، وعلى الوعي الإيجابي نحو ضرورة هذا التحول في الوصول إلى جودة الحياة التي يحلم بها الفرد والمجتمع؛ ليتحقق لديهم مستوى الرضا الذي يؤدي إلى الاستقرار على كافة المستويات.
وتسعى المؤسسات التعليمية الجامعية إلى إحداث تحولٍ رقميّ يساعد في تحقيق غايتها؛ حيث تقدم الخدمات الطلابية عبر التقنيات الرقمية؛ فإذا ما رغب الطالب في الحصول على وثيقة بعينها تكون مميكنة، واذا ما رغب في سداد رسوم تعليمية أو خدمية؛ فهناك آلية الدفع الإلكتروني عبر منافذه المعتمدة واليسيرة، وإذا ما رغب في الحصول على مصادر تعليمية رقمية وغير رقمية؛ فمن خلال التطبيقات المعتمدة بالمؤسسة التعليمية التي ينتسب إليها.
ومن الجهود التعليمية المحمودة في هذا المجال: الكتاب الإلكتروني الذي يُقدم عبر تطبيق تعتمده المؤسسة التعليمية؛ وهناك المنصات التعليمية الرقمية التي تسهم في إكساب الطلاب الخبرات التعليمية المرتقبة؛ والبرمجيات التعليمية التي تتضمن الأنشطة الرئيسة منها والإثرائية والمرتبطة بمحتوى المناهج الدراسية وتحقق أهدافها؛ والبرامج التدريبية الرقمية التي تعمل على صقل المهارات النوعية لدى الطلاب؛ والمشروعات الرقمية التي تستثمر طاقات وخبرات الطلاب، وتنمي مهارات التفكير العليا لديهم، بما يؤدي لمزيد من الإنتاجية العلمية، وفتح مزيد من المسارات البحثية، ودعْم حب الاستطلاع العلمي لديهم.
وتتعدد مزايا تحول الكتاب من صورته الورقية إلى صورته الإلكترونية، خاصة مع توافر شاشات تقنية تُضاهي الصفحات الورقية للكتاب عبر الأجهزة التقنية بتنوعاتها، فمن هذه المزايا توفير الجهد والمال؛ حيث يوفر الكتاب الإلكتروني تكاليف الطباعة، والنقل، ويحقق سهولة التناول والتداول والتحميل، ويمكن الوصول إليه في أي مكان، وكذلك سهولة البحث والنقل والنسخ والتوثيق.
ورغم هذه المزايا والفوائد التي يتمتع بها الكتاب الإلكتروني عن نظيره الورقي، فإنّ هناك بعض العيوب لاستخدامه مقارنة بنظيره بالورقيّ؛ فمن الممكن أن يُقلِّل من وصول الطالب لمرحلة الاستيعاب المفاهيمي، والقدرة على التركيز والتحليل والاستنباط ومهارات التفكير العليا؛ لأنها عمليات تتطلب أنشطة تعليمية مقصودة يؤديها الطالب بالطرائق السائد التي تُمكنه من الممارسة العملية، سواء بالكتابة التي تقوم على عمليات التفكير، أو بالأداء المهاري الذي تترجمه الممارسات الحسية، كما يُجهِد الكتاب الإلكتروني العين ويؤثر سلبيًا على سلامتها مقارنةً بالكتاب الورقي.
كما تنتهج المؤسسات الجامعية نهج الاختبارات الرقمية في عملية تقويم طلابها، بعد مراحل من التدريب والتجريب، من أجل تحقيق الأهداف المنشودة على أحسن وجه - فعملت على تمكين أعضاء هيئة التدريس من فنيات التقويم الرقمية. وقد خضعت تك التقنيات التقويمية الرقمية لتجارب استطلاعية؛ للاطمئنان على فاعليتها وصدقها وثبات نتائجها على العينات المستهدفة قبل تعميمها، وهذا الأمر من الأهمية بمكان رغم تكلفته العالية من حيث الوقت والجهد؛ حيث يشكل ضمانة لنجاح هذا النوع المهم من أدوات القياس في العملية التعليمية.
وليس معنى اهتمامنا بالاختبارات الرقمية، إهمالنا لنظيرتها الورقية؛ حيث تُعدّ الأخيرة محكّاً رئيساً للكشف عن مدى تحقيق الأهداف المنشودة، وتحديد مواطن القوة والضعف، بما يمكن من تقديم العلاج المناسب، أو استكمال المسار في صورته الصحيحة، وبما يمكن أيضاً من وضع سبل التحسين والتطوير للعملية التعليمية في صورتها الكلية، وبدون شك تضمن الاختبارات الورقية الكشف عن جوانب الخبرة (المعرفية _ الوجدانية _ المهارية) في صورتها المتكاملة لدى الطلاب.
إنّ تصحيح المسار يقتضي الأخذ بمفهوم التكامل بين كل ما هو رقمي وكل ما هو ورقي، بما يضمن تنويع مصادر التعلم للطلاب؛ فكما نهتم بالكتب والاختبارات والمكتبة الرقمية نهتم بنظيراتها الورقية، ونُدخل عليها من سبل التكنولوجيا والرقمنة ما يزيد من فاعليتها.
فما زالت للمصادر الورقية جاذبيتها ورونقها، وما زالت هناك فئة عريضة من القُرّاء يؤثرونها على غيرها، وخير دليلٍ على هذا معارض الكتب التي تحرص على إقامتها الدول العربية والأجنبية، ونخص بالذكر معرض الكتاب السنويّ والإقليميّ بالقاهرة، والذي يكتظ سنويًا بالزوّار من الداخل والخارج، وما يصحبه من مظاهر الاحتفال والاحتفاء بعالم الكتاب الورقي.
فيزخر المعرض الدولي المصري للكتاب بالعديد من الثقافات والجنسيات واللغات للأعمال الكتابية والمفكرين والمحبين للقراءة في مختلف الأعمار، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعقد الأمسيات والندوات الأدبية، وتقام الاحتفاليات التي تعبر على الفلكلور المصري الرائع في صورة مبهرة تجذب جميع الحضور.
نسأل العلى القدير أن يوفق من يقع على عاتقهم المسئولية إلى ما فيه الخير والصواب لأبنائنا الطلاب، كما نرجوه عز في علاه أن يُوفق قيادتنا السياسية لما فيه خير البلاد والعباد.