عندما بحث نبى الله موسى عن الخضر ذالكم العبد الصالح، إنما بحث عنه ليتعلم منه علما ليس كعلمنا القائم على الأسباب والأدلة والبراهين والنتائج، ولا علم الأنبياء المعتمد على الوحى، وإنما أراد أن يتعلم العلم الغيبى الذى لا يعلمه إلا الله وحده سبحانه وتعالى، لكنه سبحانه أفاض بجزء يسير إلى أحد عباده ووصفه بأنه عبد صالح فقال "فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا".
كان هدف موسى عليه السلام أن يتعلم ذلك العلم، فأخبره الخضر أنه لن يستطيع الصبر على ذلك، معللا أن الصبر يحتاج المعرفة بالخبر، إلا أن موسى صمم على اتباعه ليتعلم ما علمه الله من علم لدنى "غيبي"، فصار معه على شرط ألا وهو "فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا".
ليس كل الشر شرا.. خرق الخضر سفينة المساكين، أمر يبدو شرا ونحن نراه كذلك، فإن خرق السفينة يترتب عليه تعطلها وتعرُّض من عليها للغرق والهلاك، فبرر الخضر ذلك بأنهم لو خرجوا فى طريقهم، فسيستولى على سفينتهم ملك،ٌ قيل إنه يأخذ كل سفينة غصبا، فاتضح أنه أمر خير.
ليس كل الشر شرا.. قتل الخضر غلاما، فاشتد غضب موسى النبى مجددا، وتساءل وتساءلنا معه، ما الخير فى قتل غلام؟ أين الرحمة؟ وأين الشفقة؟ فبرر العبد الصالح فعله بأنه كان "الغلام" سيرهق أبويه طغيانا وكفرا، فلما أن قضى الله عليه بالموت، أبدلهما خيرا منه رحمة بهما، فاتضح أنه أمر خير.
ليس كل الشر شرا.. بنى الخضر جدارا لطفلين يتيمين دون أن يطلب منه أحد ذلك، بل دون أن يتقاضى أجرا مقابل ذلك العمل، رغم أن أهل هذه القرية لم يرضوا أن يضيفوه أو يطعموه، فبرر فعله بأن تحت هذا الجدار كنز يعود ملكه لهذين الطفلين، فعندما يكبران فسوف يستخرجان كنزهما، فاتضح أنه أمر خير.
فاعلم عزيزى أن الخير أحيانا يكمن فى الشر، وقد خلق الله الشر لحكمة قد تظهر لك في الدنيا وقد لا تظهر لك حتى تلقى ربك يوم القيامة، فاصبر ولا تستعجل الأمور واتبع قوله تعالى على لسان الخضر "فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا".