السحر والقرض والجهل

اتصلت سيدة بأحد البرامج الدينية التي تستضيف أحد المشايخ، وتتلقى اتصالات المشاهدين ليطرحوا أسئلتهم واستفساراتهم ويتلقوا عنها الفتاوى والنصائح من السادة المشايخ، ومنذ عدة أيام كان هذا الاتصال الذي لا أدري إن كان حقيقيا أم تم فبركته حتى ينتشر انتشار النار في الهشيم على كل مواقع التواصل الاجتماعي . قالت السيدة المتصلة، إنها أحبت رجلًا وذهبت لشيخ ( دجال ) وانه طلب منها عشرة آلاف جنيه " لجلب الحبيب " ! وبالفعل قام الرجل بتطليق زوجته وتزوج هذه السيدة التي تقول أنها عاشت معه عامين هما أجمل سنوات عمرها ، وأنجبت منه طفله ، ثم تغيرت معاملته معها وتركها وعاد لزوجته الأولى ، ثم علمت أن زوجته الأولى لجأت لنفس الشيخ ، وما كان منها إلا أن ذهبت مرة أخرى للشيخ الذي رد عليها أن تصرفه طبيعيًا لأن هذا " أكل عيشه " ! ثم طلب منها الشيخ ثلاثون ألف جنيه حتى يعيد لها زوجها ، وكان عليها اللجوء إلى الوسيلة الوحيدة المتاحة لها ، وهي طلب قرض من البنك ، وهذا هو فقط السؤال الذي أرقها وجعلها تتوجه به إلى ضيف الحلقة ، وهو هل القرض حرام ؟! وأنها تريد القرض قبل رمضان حتى لا يكون حراما في رمضان! أما الفقرة الثانية في نفس الحلقة فكانت لمتصلة عمرها اثنين وعشرين عاما عن الحظ ، تتعجب انه لا يتقدم لها أحد للزواج ولا تنجح في عمل فهل هذا بسبب سوء الحظ ! كل هذا يندرج تحت مسمى الكوميديا السوداء ، فهي من ناحية تعبر عن تغلغل الجهل في وقت يسود فيه العلم والتقدم والحضارة ، ومن ناحية أخرى تعبر عما وصل إليه الإعلام من انعزال تام عن دوره الوطني والمجتمعي الذي يحتم عليه القيام بدوره المعرفي والتنويري والتقدمي ، ومن ناحية ثالثة لو تلك الاتصالات صحيحة فهي تدق ناقوس خطر لمدى التخلف الذي أصابنا ! السؤال الآن هو إلى متى سنظل على هذا الحال ؟ وإلى متى ستحكمنا كل تلك الأفكار والخرافات ، والمشكلة ليست في الجهل والتخلف فقط ، ولكن في هذا التردي الذي تصل فيه أخلاق الكثيرين إلى الدرك الأسفل من التدني ، فأنا لا أعتقد انه مهما بلغ الجهل والبلاهة بسيدة يمكن أن تتصل لتطرح مثل هذا السؤال ، ولا أنها نجحت في تطليق رجل من زوجته أو أن زوجته نجحت في استعادته بالسحر ، إلا إذا كان المطلوب هو أن تنهال الاتصالات على البرنامج لمعرفة اسم الدجال أو معرفة هذا الرجل الخارق الذي تتصارع عليه النساء ، أو انه رغم كل هذه الكوارث فان المشكلة الوحيدة التي استوقفتها هو تحليل القرض أو تحريمه. إلى هذه الدرجة تمكن منا الجهل والتخلف ، وأصبحت مشاكلنا كلها تدور حول الدجل والحظ والسحر وجلب الحبيب ، والحقيقة أن مسئولية كبيرة تقع على رجال الدين في القرى والأقاليم ، الذين يزيدون على بعضهم البعض وتركوا جوهر الدين وصميم الأخلاق وأصبح همهم الأول الخلاف على قضايا جانبية ، فمن المؤكد أن كل الجرائم التي ارتكبتها هذه السيدة والتي اعتبرتها كلها حلال لأنها لم تتلقى في يوم من الأيام صحيح الدين والقيم الأخلاقية .. لقد انشغلنا عن هؤلاء البسطاء بقضايا معقدة ، وتركناهم حتى تشوهت أفكارهم وأخلاقهم .. ترى كيف سندافع عن أنفسنا حين نقف بين يدي الله في يوم لا مفر منه ؟!



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;