اللهم أخزيك يايحيي أو يا ونوس هي جائزة الأوسكار التي منحها الجمهور لعبقري الأداء التمثيلي الدكتور يحيي الفخراني الذي من شدة إقناعه لمشاهديه بتقمص دور( ونوس) اوالشيطان ، لدرجة ان البعض حينما يداعبون احدهم يقولون اللهم أخزيك ياونوس، وأن كان قنسطنطين استانسلافسكي في منهجهه الشهير ( الطريقه ) قد حدد ان الممثل الجيد عليه ان يندمج في الشخصية ويتقمصها ، ومن بعده تلميذاه اليكسندردين وموريس فيشمن في شرح (الطريقه) أكدا أن الممثل الجيد : عليه أن يسلك سلوك الشخصية التي يؤديها ، ويعبر بطريقتها ويشعر بشعورها مستفيدآ في تجسيدها بالبعد الإجتماعي والجسماني والنفسي للشخصيه .
فأن مسلسل ( ونوس ) قد شهد تجسيد حي لهذه المدرسه التمثيليه العريقه من خلال مباراة فنيه رائعه الفائز الأول فيها هوالجمهور ، بين مدرستين عريقتين لفنانين من أعظم فناني العالم العربي هما : يحيي الفخراني الذي أدي الشخصيه بأسلوب المدرسه التعبيرية التي يهواها وينتمي اليها في اغلب ادواره غير الكوميدية حيث يبرز الاحاسيس والمشاعر الداخلية للشخصية ويعبر عنها بتلقائية ومصداقية عالية ، دون مبالغة في الاداء او افتعال ، حيث يكون التعبيرعن المكنون الداخلي والنزعات النفسية هو الهم الاول للمثل التعبيري ، ليشعرالمشاهد بخلجات النفس وانفعالاتها وتعبيرات الوجه والعينين ، حتي ولم ينطق الممثل بكلمة واحدة ، وقد ابدع الفخراني علي مدار المسلسل بهذه المدرسة دون ان تفلت منه أي نفصيلة للشخصية مهما كانت بسيطة ، مع قدرته الفائقة علي التلون والتنقل بين مختلف الانفعالات االمتعددة حتي أظهر رشاقته ، ولياقته الفنية ، والجسمانية انتهاجاً لمقولة ( الشيطان يجري مجري الدم في العروق ) ويصوب الفخراني القشعريرة لمشاهديه حينما يقول له ( القصبي ) : اذكر أي اسم من اسماء الله في الخلوة ، فينتفض (ونوس) ويقشعر بدنه ويقول : ماتذكرش أي حاجة ! وفي مشهد النهاية يتجلي الابداع التعبيري للفخراني وهو يتنقل بين انفعالات خيبة الرجاء ، وثورة الغضب ، وتحدي القادر المقتدر ، وعتابه ، ليشعرنا في اداء مركب بين كل هذه الانفعالات بتدفق المشاعر ، والاحاسيس الداخلية للشخصية في تفرد وتميز وتألق .
ونبيل الحلفاوي الذي أدي شخصية ( ياقوت ) من خلال المدرسه التشخيصيه ولهذا كان كل منهما ممثل لمدرسة تمثيلية عريقة فاستحق لقب الفخرانيزم أي مدرسة الفخراني ومدرسة الحلفاوي ، ويؤخذ علي المخرج الرائع شادي الفخراني عدم توحيد مدارس التمثيل في المسلسل وهي مهمة أساسية للمخرج ، ورغم ذلك التمس له العذرلانه يتعامل مع عبقريتان آثرتا المسلسل ، وايضآ لانه استطاع ان يوجه باقي الممثلين باقتدار ، ووحد أدائهم جميعا بإستثناء الحلفاوي ولطفي لبيب وعلاء زينهم المنتمون للتشخيصيه ، بدليل ان نيقولا معوض لم يكن سيئ لدرجه كبيرة ، وعابه ايقاعه البطئ وبروده الإنفعالي والمونوتون في مشاهد (البرنامج الديني) .
ويحسب له اكتشاف الموهبه التمثيليه للمطرب محمدالكيلاني الذي كان رائعآ بتلقائية أدائه وصدق تعبيره عدي الحركات الانفعاليه اللاإراديه الطفولية في انفعالات اللغضب بمد شفتيه للامام ، وقد تفوق بموهبته التمثيلية علي قدراته الغنائية ، اما هاله صدقي فهي جوهره ثمينه في عالم التمثيل سواء الكوميدي او التراجيدي ، ولكن كان يحتاج صوتها لبعض تمارين ( الصولفيج ) لتتخلص من حدة صوتها عند الزعيق ، ويقودنا مافعله العبقري شادي الفخراني بأداء الممثلين الي دوره كمخرج للمسلسل فبداية كان يتحتم عليه للامانة الفنيه الا يكتب في تتر المسلسل وهي مسئوليته الاولي لان المخرج هو المبدع الاشمل للعمل من تترالمقدمة الي تترالنهايه ، فقد نسب التأليف كاملا للمبدع المتميز عبدالرحيم كمال بكتابة جملة ( للكاتب ) فحين انه اغفل ان القصه من الفلكولورالالماني عن اسطورة (فاوست) للساحروالكيميائي يوهان جورج فاوست الذي تعاقد مع الشيطان ليمنحه جميع المتع والملذات مقابل بيع روحه للشيطان فينتحرليموت كافرآ ، وهذا ماذكره ياقوت في نهاية مسلسل ( ونوس ) بقوله : مش همضي مش ملكي ولا ملكك ، وقد استوحي عبدالرحيم كمال هذه النهايه من فيلم ) المرآه التي غلبت الشيطان ) انتاج وبطولة نعمت مختار مع عادل ادهم ونورالشريف، وآبي مخرجه الكبير يحيي العلمي ان ينسب لنفسه التأليف فكتب سيناريو وحوار يحيي العلمي وهوصاحب هذه المعالجه التي قدمها كمال في نهاية ونوس برفض تنفيذ التعاقد ، وهذا لا يمنع الإشادة بحرفية عبدالرحيم كمال ، ليس فقط في كتابة السيناريو والحوار المتميز لهذه المعالجة الدرامية ، بل وابداعه في تمصير الأسطورة وربطها بالقضايا المُلحة للشعب المصري ، بالرغم من الاحداث والموضوعات ( المودرن ) وهو الذي تفوق من قبل في كتابة الموضوعات الريفية والصعيدية بمشاكلها المتنوعة ، رغم أن هذه ملحوظة شكلية في التناول النقدي لشادي الفخراني الذي تفوق بهذا المسلسل علي جميع مخرجي الدراما التيليفزيونية التي عرضت في هذا الموسم ، بإستثناء وحيد هو اخراج مسلسل (افراح القبه) لعبقري آخرهو المتميز محمد ياسين .
فقد قدم شادي الفخراني مسلسله برؤية إخراجية واضحة مستمدة من فلسفة ثقافية وفكرية وخبرات حياتية شديدة التميز ،لانه نشأ في منزل به لميس جابر التي تثقف الآخرين وايضآ ثقافة الدكتور يحيي الفخراني التي جعلته يتفوق علي الممثلين الأكاديمين ، وهذه هي اهم مكونات الرؤيه الفنيه ، فضلا عن حرفية شادي في صناعة الصوره ، واهم ما ميز اخراجه هو ( الديجوباج ) اي خطة تقطيعه للقطات وصنع الحركة والحيوية من تنوع احجامها وعمق التكوين الذي حرص المخرج علي تكامل اللغة المرئية لابداعه من خلال التكوينات والديجوباج ، جامعآ بين مدرستين في خلق الحركه داخل الكادر التيلفيزيوني وهما الجماليات والمعاني ، وكان كل من الرائدان نور الدمرداش ويحيي العلمي يبنيان إبداعهما الاخراجي علي أما جماليات الصورة أو جمال المعني الفكري الذي تطرحه الصورة ، ومثال علي ذلك (جمال الزوم اوت ،والزوم ان ) في مشاهد بيرالسلم وحلقة الذكر، وحرص المخرج علي اللقطات الرأسيه المتنوعة لابراز جمال الحركة داخل الكادر ، ومثال للمعني الإخراجي للقطه ورؤية المخرج ، حينما تسلل عزيز الي منزل ونوس ليكشفه ، تساقط من اعلي السلم الي اسفل قدم ونوس واظهره المخرج بلقطه ( تيلت آب) لنري ونوس يضعه عزيز بين قدميه كأن الشيطان ( يبول ) عليه ، ويصل هذا الابداع الإخراجي الي ذروته. في مشهد النهايه حيث عتاب ونوس للخالق لانه غفر للبني ادم وهو الخطاء ولم يغفرله لتكبره وعدم توبته ، واجدني ظالمآ لنفسي حين أخالف هوي القلب الذي يعشق بل ويتحيزلابداع يحيي الفخراني ، حينما ارضي ضميري النقدي وأحكم بتفوق الفخراني الأبن علي الفخراني الأب بأخراج مشهد النهايه ، رغم الإبداع التعجيزي لعبقري التمثيل الا ان (الكريشندو) الإخراجي بتوظيف الموسيقي مبهرة التعبير للموسيقارامين ابوحافه ، وتوظيف المخرج لاضاءة وتصوير سمير بهزان ، ودرامية ونعومة مونتاج داليا الناصر، وديكور خالد امين ، وازياء دينا نديم ، فقد صنع شادي الفخراني بهذه المفرادات الإبداعيه سيمفونية إبداع درامي مفعم بالجماليات ومحاط بسياج فكري رائع المعني والمغزي الضمني يجسد رؤيته الإخراجية للمسلسل .