تؤكد القيادة السياسية على ضرورة الاهتمام بالتنمية البشرية، واستثمار الطاقات بصورة تؤدي إلى تقدم قطاعات الدولة في مشروعاتها القومية؛ لذا فإن تنمية مهارات الفرد أصبحت ضرورة لتكون موجهًا ذاتيًا له، وتجعله بعد امتلاكها قادرًا على التكيف مع التغيير، ومتحملًا للمسئولية، ساعيًا لتحقيق النتائج المستهدفة، متحليًا بالمرونة في عمله، متكيفًا مع كل ما هو جديد ومتغير، مستجيبًا وفاعلًا تجاه ما يطرأ من مواقف وتحديات ومشكلات وضغوط، داعمًا لمسار العمل في الاتجاه الصحيح، متواصلًا مع مختلف الشخصيات والثقافات، واضعًا نهضة ورقي وتقدم بلاده نصب عينيه.
وحري بالذكر أن مهارات القرن الحادي والعشرون تشكل الإطار العام الذي يتطلبه سوق العمل المتنوع بالجمهورية الجديدة؛ حيث الشعور الحقيقي بالمسئولية الاجتماعية، ومواجهة المشكلات والعمل على حلها، وتوافر المهارات الشخصية والتعاونية، والرغبة تجاه المعرفة الخاصة بتكنولوجيا المعلومات المتجددة، وممارسة أنماط التفكير المختلفة من سبر وإبداع وتنظيم ونقد، ناهيك عن التطلع الفكري والتواصل الفعال، ومن ثم السعي نحو المزيد من التعلم بغية الابتكار في الحياة والعمل.
والمهارات التي يتطلبها سوق العمل عديدة ومتجددة، وضمانة نجاح اكتسابها يكمنُ في التخطيط لها من قبل الفرد؛ ليصل إلى مبتغاه، ويحقق تكيفًا يشعره بجودة الحياة المستحقة؛ لذا يمكنه تطوير مهارات العمل والحياة بصورة متلازمة.
وتُعد المهارات القيادية مهمة في مستوياتها المختلفة؛ فبواسطتها يتم التفاوض والتواصل الفعال مع الآخرين، والوصول لنتائج مستهدفة، وعن طريقها تُتخذ القرارات المدروسة وتُجرى المفاوضات؛ بالإضافة إلى أنها تضفي على الفرد تقديره لذاته وللآخرين وتحقيق الثقة والالتزام، وتبني طرائق ومسارات الابتكار القائم على التخطيط الاستراتيجي الذي يُحدث قطعًا تغييرات إيجابية على المستويين المادي والمعنوي، ومن ثم فالمهارات القيادية تجعل القائد ملهمًا لغيره كي يقدم أفضل ما لديه؛ لذا يصعب بحال الاستغناء عن هذا النمط من المهارات في سوق العمل الذي يسعى دومًا للتنافسية.
وعالمنا الرقمي لا مجال للتفاعل معه إلا بمهارات رقمية تتمثل في توظيف الأجهزة الرقمية والتطبيقات التقنية بسهولة ويسر وأمان، والتي تتصل بممارسات العمل والتعلم والحياة، ما يحقق الغاية منها على كافة المستويات العملية والعلمية والحياتية. وهنالك أيضًا المهارات الرقمية المتقدمة الخاصة بمهن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كالذكاء الاصطناعي، وأساليب التعلم الآلي، وتحليلات البيانات الضخمة، ومن ثم ينبغي العمل على سد فجوة المهارات الرقمية والمتمثلة في محو الأمية الرقمية لدى الفرد.
ومهارات المرونة والتكيف والتغيير من المهارات التي تُسهم في أن يكون الفرد متقبلًا لما يطرأ من تغيرات تقنية أو لوجستية تتطلبها طبيعة المرحلة وتداعياتها، وهذا ما يوصف بمرونة العقل والتي يتصف أصحابها بالمقدرة على إدارة مواقف تحت ظروف طارئة أو غير متوقعة محققين نتائج متميزة وفق ما اتخذ من قرارات توصف بالصعبة، وتُكسب هذه المهارات أصحابها القدرة على التحمل، وتجنب الاستسلام، والعمل بجد واجتهاد ومثابرة؛ لذا يمكن وصفها بالإيجابية في صورتها الكلية.
ومن متطلبات اتخاذ قرارات صائبة والتوصل لحلول مبتكرة والخروج من بوتقة الشائعات المفرطة- تحلي الفرد بمهارة التفكير الناقد الذي يكسبه المقدرة على التحليل والاستنتاج والاستنباط والخروج بالشواهد وتقديم البراهين والحجج، ومن ثم إصدار الأحكام، وهذه المهارات تجعل الفرد يتعامل مع المواقف والأفراد بل ومع التقنيات وإفرازاتها المتنوعة بأمان، وتسمح له بأن يؤدي ما يوكل إليه من مهام وأعمال بثقة لمقدرته على تحديد السلبيات والإيجابيات المرتبطة بالموقف، وهو ما يؤهله لأن يتعامل بصدق مع عالم العمل المتغير ويتكيف ويتواءم مع الوظائف الحالية والمستقبلية.
ويمثل الوجدان لدى الفرد مكونًا رئيسًا؛ يساعده في تمييز مشاعره وتوجيهها بالشكل الصحيح، والكشف عن مشاعر الآخرين، بما يُمكنه من التحكم في عواطفه، وإدارة ذاته وعلاقاته بصورة متزنة قائمة على الملاحظة والتقويم المستمر لممارساته وممارسات الآخرين؛ لذا بات تنمية الذكاء العاطفي لدى الفرد أمرًا مهمًا في تكوين علاقات طيبة على مستوى العمل والحياة، تؤدي بالفرد لمستوى من التأقلم والتوافق والتطور والتواصل مع الآخرين، وبالطبع ينعكس ذلك على سلوكه ومستوى أدائه بصورة مباشرة، بما يُسهم في عمق الرؤية لمقتضيات الأمور والمواقف والقضايا التي يتعرض لها، ويعد ذلك من أسس الذكاء العاطفي أو الوجداني.
وفي خضم التحديات والتعقيدات الناجمة عن كم المعلومات والبيانات والنتائج والإحصائيات، نجد أن هناك مهارة ضرورية تُحدد مسار العمل بصورة مقصودة ومدروسة؛ لترصد بدقة بديلًا من البدائل المطروحة، بغية تحقيق هدف مرسوم بعينه، وهي مهارة اتخاذ القرار، والتي تمر حتمًا بخطوات معلومة تبدأ بتحديد المشكلة أو القضية بصورة دقيقة وفق معايير أو مؤشرات واضحة لبيئة العمل، ثم مرحلة جميع البيانات أو المعلومات المتاحة وذات الصلة بالمشكلة أو القضية التي تم تحديدها من مصادر موثوقة سواء بطريقة فردية أو بواسطة فريق العمل، يلي ذلك تحديد البدائل وتحليلها واختيار البديل الأمثل، وهذا ما يُشكل صناعة القرار تمهيدًا لتنفيذه والوقوف على فعاليته عبر تقييم نتائجه، وفي ضوء ما يتخذ من قرارات يتأثر سريان العمل بصورة مباشرة في الاتجاه المرغوب فيه من عدمه.
ونظرًا لضخامة إفرازات الثورات الصناعية والتي انتجت الروبوتات لتقدم مزيدًا من الابتكار لسد احتياجات الإنسان التي صارت لا حدود لها؛ فإن الأمر يستلزم أن يدرك الفرد أهمية تنمية مهارات الابتكار لديه؛ ليضمن مكانة لائقة به في عمل يقوم على كل ما هو جديد ومبدع؛ لذا ينبغي أن يطالع ميزات كلّ الأشياء المستقبلية من منتجات، وأساليب تفكير وتقنيات فائقة السرعة؛ بغية العمل على توليد الأفكار التي تسهم في تحسين الخدمة المقدمة، وهذا ما يمثل التنافسية في صورتها التطبيقية، وهو ما تسعى إليه الجمهورية الجديدة في مشروعاتها القومية لتقدم منتج من خلاله تواجه أذواق الأسواق الدولية وفي نفس الوقت تحافظ على توسيع الدخول الحقيقية لمواطنيها على المدى الطويل.
وتمثل مهارات التواصل مع الآخرين ضرورة لنجاح العمل وبناء الخبرات على المستويين الأفقي والرأسي؛ حيث تبادل المعلومات أو تبادل الرسائل عبر لغة الجسد، ومؤشرات التواصل الفعال تكمن في المرونة والعلاقات القويمة والعمل الجماعي في إنجاز المهام والأعمال والتوظيف التقني المبدع، وبالطبع يسهم ذلك في توطيد علاقات المودة والعطف وحب الآخرين والتعاون واحترام حقوق الغير داخل المؤسسة؛ بالإضافة لمزيد من أنماط التعلم العميق الذي ينتج أفكارًا مثمرة، تؤدي إلى مزيد من التفاعل داخل المؤسسة وخارجها.
وتعد شبكة المعلومات الدولية متجرًا مفتوحًا لمن يمتلكون مهارات التسويق الرقمي؛ حيث ينسدل منها العديد من الممارسات التي تُسهم في تنمية التسويق الإلكتروني، وتبدأ بجمع البيانات عن العميل لتفهم احتياجاته، وصياغة رسائل تسويقية موجهة له، أو وضع استراتيجية للتعامل معه، يلي ذلك تصميم المحتوى سواء أكان كتابيًا أم مشاهدًا، كما تتطلب مهارات تحسين محركات البحث عبر الإنترنت، وإدارة العلاقات بصورة آمنة مع العميل، والربط مع الشبكات الاجتماعية المتنوعة، وآليات تدشين الإعلانات المدفوعة للوصول إلى الفئات المستهدفة؛ بالإضافة لتوظيف التطبيقات الرقمية، وتوظيف الذكاء الاصطناعي لإجراء التحليل العاطفي الاجتماعي للكشف عن ما يدور في وجدانه، إلى غير ذلك من ممارسات تساعد في تحقيق أهداف التسويق الإلكتروني المتجددة بتجدد مفردات التقنيات الرقمية.
ونود الإشارة إلى ضرورة القناعة بأن تنمية ما ورد من مهارات العمل التنافسية يقوم على دافعية الفرد عبر التعلم النشط نحو اكتساب الخبرات الجديدة بصفة مستمرة، بما يؤدي لمزيد من الإنجازات التي تؤهله للتقدم والرقي على المستوى المهني والمعرفي.
حفظ الله ثروة بلادنا من شبابها المخلصين ذوي الإرادة والهمة، ووفق قيادتها الرشيدة لمزيد من التقدم والازدهار بجمهوريتنا الجديدة.
أ.د/ عصام محمد عبد القادر
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر
أ.د/ عصام محمد عبد القادر
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر