الأولوية التي تقدمها الدولة المصرية لمفهوم "التكامل" ربما تتسم بحالة من الشمولية، في ضوء العديد من الأبعاد التي تتحرك عليها، لتحقيق هذا الهدف بمفهومه الشامل، وهو ما يبدو في البعد التنموي، والقائم على تحقيق التنمية الشاملة ذات الطابع المستدام، عبر مراعاة كافة الجوانب، بدءً من الاقتصاد مرورا بالبيئة وحتى تفعيل الدور الذي يمكن أن تلعبه كافة الفئات السياسية والمجتمعية، بينما يبدو البعد الجغرافي في اقتحام كافة مناطق الجمهورية، وعلى راسها تلك التي عانت تهميشا صريحا لعقود طويلة من الزمن، وعدم الاكتفاء بالعاصمة، أو المناطق المحيطة بها، في حين اعتمدت مفهوم التكامل الدولي، سواء في إطار إقليمي عبر تعميم التجربة المصرية، من خلال الشراكة مع دول الجوار، أو التوسع نحو نطاق عالمي، عبر تعزيز العلاقات مع القوى الإقليمية في مختلف مناطق العالم، لتحقيق المنافع المتبادلة، ناهيك عن تكامل الأدوار بين المؤسسات الرسمية للدولة، مع منظمات المجتمع المدني، لتحقيق المصلحة الجمعية للمواطنين المصريين في مرحلة حساسة تعصف بها الأزمات.
إلا أن مفهوم "التكامل" على ما يبدو يحمل وجوه أخرى، في الرؤية المصرية، تتجلى بصورة كبيرة في الدراما التلفزيونية، التي تعرضها الشاشات خلال شهر رمضان الكريم، والتي تحمل رسائل عميقة، تساهم في خدمة العديد من الأهداف التي تضعها الدولة على عاتقها في المرحلة الراهنة، بدءً من تعميق الحالة الوطنية، جنبا إلى جنب مع تعزيز صمود الأسرة المصرية، بالإضافة إلى الترويج لثقافة الاعتدال وقبول الاختلاف مع الأخر، ناهيك عن إبراز دور المرأة، وأهميتها كعنصر فاعل في المجتمع، إلى جانب ما تتضمنه تلك الأعمال من نفحات إيمانية، تتزامن مع قداسة هذا الشهر وخصوصيته، ناهيك عن "تكامل" الألوان المقدمة على الشاشة، بين القصص الاجتماعية والتاريخية، والكوميديا المتزنة، مع تقديم رؤية واقعية للمشكلات، ومحاولة إيجاد حلول لها.
وبالنظر إلى الأعمال التي تعرض على الشاشة، والتي أنتجتها الشركة "المتحدة" للخدمات الإعلامية، نجد أن عبقرية المشهد الدرامي يتجسد في التلامس مع العديد من القضايا الجدلية، دون الدخول فى نقاشات عقيمة، منها على سبيل المثال زيارة الأضرحة، وكرامات أصحابها، وهو ما يبدو في مسلسل "سره الباتع"، وهي ما تمثل قضية خلافية بين قطاعات كبيرة داخل المجتمع، في الوقت الذي يركز فيه العمل على حقبة تاريخية، تعود إلى الاستعمار الفرنسي، وبطولات المصريين في مواجهته، وهو ما يمثل حالة من الإجماع الشعبي، على عظمة هؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل حرية وطنهم واستقلاله، وهو ما يعزز أحد الأسس التي يقوم عليها عملا أخر وهو "رسالة الإمام"، والذي يحمل صبغة دينية خالصة، تعتمد ثقافة "الاختلاف" كوسيلة لإثراء المجتمع.
حتى إذا نظرنا إلى الأعمال ذات الطبيعة الاجتماعية، نجد أن ثمة حالة من التكامل، بين مناصرة المرأة، ودورها في المجتمع، باعتبارها عنصرا فاعلا، لا غنى عنه، عبر تقديم موضوعات تعكس قدرة المرأة على القيام بدور كبير كشريك للرجل في خدمة المجتمع وقدرتها على مواجهة التحديات مهما بلغت صعوبتها، على غرار مسلسل "تحت الوصاية" بالإضافة إلى بعض التحديات التي تواجه الأسرة كالزواج الثاني، كما هو الحال في مسلسل "علاقة مشروعة"، من جانب، مع تقديم التحديات التي تواجه الحياة الزوجية، وما يتخللها من صراعات بين الأزواج، في إطار واقعي، غلب على بعضها الجانب الكوميدى، هو ما يبدو في مسلسل "مذكرات زوج" من جانب أخر.
ولعل استعراض التضحيات التي بذلتها الدولة المصرية ومؤسساتها الأمنية، في مسلسل "الكتيبة 101"، يمثل استمرارا لما دشنته "المتحدة"، في العديد من الأعمال خلال السنوات الماضية، والتي كانت أولوية قصوى، في إطار الكشف عن حجم الجهود والتضحيات التي بذلها أبناء الوطن في سبيل استعادة الأمن والأمان وكذلك خطورة التحديات التي كانت محدقة بهم خلال سنوات الفوضى، بينما يبقى المزج بين مختلف الأبعاد، الوطنية والاجتماعية، والدينية، والثقافية، وتحقيق "التكامل" بينهم في "بوتقة درامية" بمثابة حالة استثنائية، تجسد القدرة على تحديث الأولويات، والتعاطي مع التحديات، والتطورات التي تواجه المجتمع.
وهنا يمكننا القول بأن عبقرية "المتحدة" لا تقتصر فقط في إعادة توجيه بوصلة الدراما، عبر تقديم أعمال هادفة، بعيدا عما يمكننا تسميته بحالة "الفوضى" الدرامية التي سيطرت على المشهد التلفزيوني قبل سنوات قليلة، وإنما تتجلى في قدرتها اللامتناهية في تحقيق "التكامل" بين الأعمال الدرامية، في صورة غير مسبوقة، تعكس إدراكا للتحديات وخطورتها والكيفية التي يمكن بها التعامل معها.