أحاول من وقت لآخر متابعة الأعمال الدرامية الرمضانية، في حالة من السباق الفني للأسرة المصرية بشكل عام، وحالة فريدة في المجتمع المصري في طرح قضايا جديدة أو لفت النظر لنقاط تمس مجتمعاتنا، ومع اختلاف الأعمال ما بين درامي ورومانسي واجتماعي وكوميدي، أحياناً ما تتم مفاجأتي بأعمال فنية غير متوقعة مع نجوم محتفظين بصفهم الأول على مدار سنوات، أو ظهور نجوم اختفوا لظروف ما، ولكنهم أثبتوا أن المعدن النفيس يظل محتفظا بأصالته وإتقانه لعمله الذي يحبه.
المفاجآت تأتي من الأفكار وأحيانا من الشخصيات وحتى التصوير نفسه، ولكن ما فاجأني فعلاً هو الفنان أحمد عيد فى مسلسل "عملة نادرة"، فعلى الرغم من تصدره الأعمال الاجتماعية والسياسية وفي إطار كوميدي ساخر يشبه السهل الممتنع أو حتى كوميدي صرف مثل الذي قدمه من خلال تجسيده إحدى شخصيات "فيلم ثقافي"، إلا أن كان وجوده في دور درامي لأول مرة في أحد أعمال رمضان شىء فريد وملفت للنظر، ولا سيما في دور صعيدي، ليس فقط تجسيد الشخصية من ملابس ولغة، ولكن انفعالات وأداء أظهرت شرا مغلفا بجلباب ووجه مألوف.
وهو الدور الذي يحتاج لتدريب كبير لإتقان اللهجة والتدرب على الشخصية بقدر كاف لإقناع المشاهد، وحقيقة اذهلني تمكنه من هذه الشخصية بهذا القدر، من الشكل الخارجي والتشخيص الداخلي، وهو السؤال الذي يدور في ذهني حالياً، هل دور الشرير يظهر إمكانيات الفنان أكثر عن أي دور آخر؟ أم أن الفنان يستطيع إبراز نفسه بأقل مجهود عن طريق تقمصه الشديد للشخصية حتى لا نكاد نفصل بين شخصيته الحقيقية وشخصيته في العمل الفني؟
الدور على الرغم من عدم تشكله في العمل الدرامي بالشكل الكاف لأنه في الحلقات الأولى من قصة المسلسل، ولكن المتابعين أشادوا به، بل انبهروا بأحمد عبد الذي يظهر ولأول مرة بزاوية مختلفة تبرز مدى موهبته، وهذه الإشادة كانت من قبيل المشاهدات الأولى للعمل ولقطات الظهور للفنان أحمد عيد، وتطرقهم لنقطة أو اثنين في شخصية "مسعود" التي يقوم بها أحمد عيد، ولكنهم غفلوا عن التحليل الداخلي للشخصية ربما لأنه جزء من عمل السيناريست وكاتب القصة، وسهوا عن ان الكتابه بدون تشخيص الفنان تصبح رؤية ضحلة، فما لمسته من اداء الفنان هو الدهاء الشديد الذي يظهر في تعبيراته وقدرته على التلون وإظهار شخصية مسعود الطيب على الرغم من انه على العكس من ذلك، وهذا هو الإبداع الفعلي..
النقاط الأخرى التي اشاد بها النقاد هي اداء دور الصعيدي والعودة المفاجأة في دور لم يسبق للفنان أداءه من قبل، والمشاركة مع فنانين اكتسبوا من الخبرة في الأعمال الدرامية ما يجعل الوقوف أمامهم صعبا، ولكنه قدر مع ذلك المنافسة وكانها حلبة للمنافسة في الإبداع والتمثيل..
وفي رأيي دور النجم أحمد عيد ينبغي الاهتمام به، فقد استطاع كسر تيمته، والخوض في شخصية جديدة اثبتت إنه فنان منتوع، يستطيع التشكل بحسب سياق العمل، لذا اتمنى رؤيته في أعمال فنية جديدة ومختلفة، وألا يتم حصره في زاوية معينة تفقدنا متعة تذوق مثل تلك الأعمال الفنية الهادفة والتي تعيد لأذهاننا زمن "علوان" في ذئاب الجبل.