مما لاشك فيه أن الدراما الوطنية أصبحت أحد اهتمامات المشاهد المصرى والعربى، لذا تحرص (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) على وجود هذه النوعية من الأعمال كل عام ضمن خريطتها الدرامية في رمضان، ومع نجاح مسلسل (الاختيار) بأجزائه الثلاثة ومسلسلي (هجمة مرتدة، والعائدون)، فتحت المتحدة الطريق للأعمال الدرامية الوطنية لتصدر المشهد الدرامى بعد سنوات من الغياب، تلك السنوات التى كان يهرب فيها المنتجون من تقديم هذه النوعية من الأعمال بحجة ضعف التسويق وعدم إقبال الجمهور عليها، إلا أن نجاح هذه الأعمال والتفاف الجمهور حولها وحول أبطالها أعاد لها وللدراما بشكل عام أهميتها وتأثيرها وأعاد للقوة الناعمة سحرها فأصبحت هذه الأعمال محور بحث قنوات العرض والجمهور.
حالة من النجاح الساحق والمدوي، لاحظناها من خلال مسلسل (الاختيار) بأجزاءه الثلاثة، لازال تتردد صداها في كافة ربوع مصر والوطن العربي، وذلك نظرا للمزيج المثالي والمتقن الذي يجمع ما بين الأبعاد الدرامية والتوثيقية التاريخية التي تمت للواقع بكل الصلات والوقائع والشواهد، والتي نستنتج منها أول الدروس المتعلقة بجسارة الرئيس عبدالفتاح السيسي في منع انزلاق البلاد إلى مخططات الفوضى والدمار.
هذا العام تواصل (الشركة المتحدة) دورها فى تقديم الدراما الوطنية لإدراكها أهميتها ودورها فى بث روح الوطنية والانتماء وإظهار الكثير من بواطن الأمور وتصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة، فالجمهور كان على موعد هذا العام مع حلقات مسلسل (الكتيبة 101)، العمل الذى يؤرخ بعض جهود وبطولات رجال القوات المسلحة المصرية وحربهم ضد الإرهابيين والتكفيريين، ويعتبر مسلسل (الكتيبة 101)، امتدادا طبيعيا للأعمال الدرامية الفنية المهمة، التي تؤرخ جهود وبطولات رجال القوات المسلحة المصرية، للمشاهدين، خلال حربهم ضد العناصر الإرهابية والتكفيرية.
ويتناول مسلسل (الكتيبة 101)، بطولات هذه الكتيبة ورجالها البواسل، في التصدي للعناصر التكفيرية في العريش وسيناء، وسيرة الشهداء العطرة الذين جادوا بأرواحهم للدفاع عن أمن مصر وسلامتها، تلبية للقسم الذي أقسموه على أنفسهم، وظهر في الحلقات الثمانية التي أذيعت من المسلسل، عدة مشاهد للعمليات العسكرية للجيش المصري في عمق سيناء، للتصدي للجماعات الإرهابية والتكفيرية، حيث يجسد الفنان آسر ياسين دور الرائد الشهيد خالد محمد دبور، فيما يجسد الفنان عمرو يوسف دور رائد بالجيش المصري يدعى نور صلاح العزب.
أحداث ساخنة شهدتها الحلقات الثمانية من مسلسل الكتيبة 101، منها تحرك المخابرات الحربية للوصول للقيادي الإرهابي (أبو أسامة)، بعد الحصول على معلومات من (أبو عمار المهاجر) خلال استجوابه من جانب المخابرات الحربية، حيث أرشد (أبو عمار) عن المكان الذي من الممكن أن يختبئ فيه أبو أسامة، وتكثيف المخابرات الحربية البحث عن أبو أسامة بعد تورطه في العديد من العمليات الإرهابية التي وقعت في شمال سيناء، ومن بينها الهجوم على كمين كرم القواديس، كما يعتبر العقل المدبر للعديد من العمليات الإرهابية التي نفذها التنظيم الإرهابي.
ولقد أعاد المشهد الأخير من الحلقة الأولى من مسلسل (الكتيبة 101 - والذي حظي بمشاهدات كبيرة وسط مسلسلات موسم رمضان الحالي - أجواء الهجوم الأول الدامي وقع في 24 أكتوبر من العام 2014، والذي يعتبر من أكثر الهجمات الإرهابية التي استهدفت الجيش المصري دموية، وكان عبارة عن عملية إرهابية راح ضحيتها عشرات القتلى بصفوف الجيش المصري، وتبنى تنظيم داعش العملية، وبث فيديو يكشف تفاصيلها، وقد بدأ الهجوم في تمام الساعة الواحدة ظهرا، من خلال اقتحام الكمين بشاحنة انتحارية محملة بالمتفجرات وتفجيرها، في أثناء صلاة الجمعة، ما أدى إلى مقتل 18 جنديا، ثم بدأت العناصر الإرهابية بالتحرك لموقع الكمين مستقلة عربات دفع رباعي، واشتبكت مع القوة المتبقية بالأسلحة الثقيلة وقذائف الآر بي جي فقتلت 10 جنود آخرين.
وفي بداية الحلقة الثانية أظهرت القوات المسلحة شجاعة قوية وبأس شديد بدعم من المروحيات التي دحرت فلول الإرهاب وجعلتهم يتقهقرون إلى الخلف على أثر وابل من الرصاص الذي أوقع عشرات القتلي في صفوفهم، وأعقب ذلك الهجوم هجمات أخرى ولكنها أخف وطأة من الهجوم الأول، وكانت تسفر عن خسائر بسيطة، لكن التنظيم كرر هجوما داميا بعدها، وكانت خسائره هذه المرة هى الأفدح، فقد نجحت قوات الجيش في سرعة التعامل مع محاولة اقتحام الكمين وصد الهجوم المباغت، وتدخلت القوات الجوية بسرعة لتحصد أرواح الإرهابيين، وربما نشاهد جوانب من هذا التصدي في الحلقات القادمة.
ومن جانب آخر أكد الخبير الأمني المصري، خيرت شكري، أن توقيت عرض مسلسل (الكتيبة 101) مرتبط بتصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي حول نية الدولة الاحتفال بتحرير شمال سيناء من الإرهاب، وأشار الخبير اللواء وهو وكيل مباحث أمن الدولة الأسبق، في تصريحله ، إلى أن عرض مسلسل (الكتيبة 101) جاء عقب حدثين في غاية الأهمية من وجهة نظري، الأول: (تفويض الشعب للرئيس بمواجهة الإرهاب المحتمل)، والثاني: (فض إعتصام رابعة، والذي كان بداية لتحويل شمال سيناء إلى مسرح عمليات إرهابية).
وأضاف شكري: (كنت أتوقع أن يبدأ المسلسل بتوضيح ما هو وضع شمال سيناء الإرهابي في تلك الفترة، وكيف أصبحت عقب وصول جماعة الإخوان لسدّة الحكم، وتحويلها كبديل لأفغانستان بالتنسيق مع جهاز المخابرات الأمريكية الـCIA ، إلى منطقة حاضنة للإرهاب، بالسماح لكل عناصر التيارات الإرهابية من الدخول إلى سيناء، ورفع الدرج عن العناصر الإرهابية الممنوعة من دخول البلاد)، وأردف، ومنح المحكوم عليهم في قضايا إرهاب عفو رئاسي وترحيلهم إلى سيناء، لتشكيل ما يعرف بـ (الجيش المصري الحر) على غرار (الجيش السوري الحر).
وتابع الخبير الأمني أن هذا هو المناخ الإرهابي على الأرض في شمال سيناء الذي تم تجهيزه من 2011 وبدأ تحركه الفعلي في 2014، ليتم مواجهته من خلال (الكتيبة 101)، والتي يمتد نطاقها الجغرافي إلى مدن رفح والشيخ زويد والعريش، وعن توقيت عرض المسلسل أيضا، تحدث شكري عن ارتباطه بما تحدث عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإقامة متحف يتضمن خبايا وأسرار الإرهاب في تلك المنطقة وكيف تمكنت القوات المسلحة من التصدي لهذا المخطط الإرهابي في شمال سيناء وتحريرها من العناصر الإرهابية، فكان مسلسل (الكتيبة 101) الذي يمثل هذه مقدمة تحليلية مبدئية للمسلسل من وجهة نظري، وفي انتظار رؤية المخرج والقائمين على العمل، من خلال متابعة الحلقات القادمة.
جدير بالذكر أن هنالك حقائق لابد أن تذكر في هذا المقام ومنها: أن الكتيبة (101) من الجيش المصري تقع فى منطقة حدودية مع فلسطين المحتلة، وهى محددة السلاح وفق اتفاقيات ومعاهدات دولية، في منطقة الأحراش المحمية الطبيعية والتي يتعذر البناء عليها، وهي الكتيبة المنوط بها الدفاع عن العريش والشيخ زويد والجورة ورفح و قدمت وحدها أكثر من 300 شهيد من مقاتليها، منهم الشهيد العقيد أحمد عبد النبي قائد الكتيبة، والشهيد المجند محمد أيمن شويقة والشهيد المجند الشحات شتا شهداء واجهوا الإرهاب والتكفير والأنفاق، وعدد من الأبطال المصابين.
كما أن (الكتيبة 101) تعد محطا لأنظار الجميع وذلك لأهميتها الاستراتيجية كمقر لقيادة القوات المنتشرة في العريش والشيخ زويد ورفح، ولذلك كانت على تواصل دائم مع غرفة عمليات القوات المسلحة الرئيسية وتنال اهتمام القيادة العامة بالزيارات، إذ يقوم أفرادها بدور مهم في حماية وتأمين المواطنين، وتتصدى بكل حسم للخارجين على القانون، مع الحرص الكامل على عدم إصابة الأبرياء بأي أذى.
وكما تذكر الوثقائع فإنها حصلت على النصيب الأكبر من الهجمات الإرهابية التى شنها عناصر (تنظيم بيت المقدس) على المقار الأمنية والعسكرية بالعريش منذ العمليات الإرهابية في يناير 2015 التي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من أبنائنا من ضباط وجنود الجيش والشرطة، إذ أنه فيها اسنتشهد 29 شخصا من رجال الجيش والشرطة، وأصيب نحو 59 آخرين في سلسلة هجمات بسيارات مفخخة وقذائف هاون على مواقع عسكرية وأمنية في شمال سيناء، بحسب ما أفادت به مصادر أمنية وطبية مصرية حينها.
ومن بين البطولات التي ارتبطت بالكتيبة (101) في الأذهان هى العملية البطولية التى أقدم عليها الشهيد البطل الشحات فتحى شتا، الذى افتدى زملاءه من عملية إرهابية، عندما احتضن الانتحاري الذي أقدم على تفجير الكتيبة، في نهاية يناير 2015، وابتعد به مسافة 100 متر، لتصعد روحه إلى بارئها ويترك خلفه سيرة عطرة، وتاريخ يروى إلى يوم القيامة.
ولم تكن تلك هذه هي المرة الأولى التي يستهدف فيها الإرهابيون تلك الكتيبة فهم يعتبرونها مقر قيادة القوات المنتشرة في العريش والشيخ زويد ورفح، ويحملونها مسئولية إجراء التحقيقات الأولية مع العناصر الإرهابية التى يتم القبض عليها في تلك المنطقة قبل إرسالهم إلى المقار الأمنية فى العريش والإسماعيلية والقاهرة، ومن بين العمليات التي نفذها رجال هذه الكتيبة من قبل هي عملية (حق الشهيد) ضد عصابات الإجرام فى سيناء.
وتشغل الكتيبة (101) مساحة تزيد على الكيلو متر ورجالها مسئولون عن كافة الحملات الكبرى على البؤر الإرهابية، وكافة العمليات النوعية التى تنفذها قوات الصاعقة، وقد تعرضت (الكتيبة 101) جراء ذلك لهجمات متعددة بقذائف الهاون وصواريخ 107 في أكثر من مرة قبل الهجوم الدامي الكبير الذي تعرضت له في يناير 2015 لتوصف بحق أنها كتيبة الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبفضلها استطاعت مصر وأد الإرهاب، وقد استطاعت مصر بفضل رجالها ومن بينهم رجال كتيبة (101) الذين يتمركزون في قلب الجحر الذي اتخذه الإرهاب مخبأ له (سيناء) من قتل هذا السرطان في جحره.
وهو ما لفت إليه مؤشر الإرهاب الصادر عن دار الإفتاء المصرية العام 2021، والذي ذكر أنه توجد على أرض سيناء عدد كبير من الجماعات مختلفة المسميات والأهداف، أشهرها وأكبرها (التوحيد والجهاد، وولاية سيناء، أنصار الجهاد، تنظيم مجلس شورى المجاهدين - أكناف بيت المقدس، أنصار الإسلام، جند الله، جند الإسلام)، وكل هؤلاء انتهوا تقريبا ولم يتبق سوى تنظيم (ولاية سيناء)، و(جند الإسلام)، وكلاهما يضم أعدادا محدودة تحت ضغط الحصار والمطاردة، والدليل هو أنه في عام 2017 وقعت في سيناء وحدها 332 عملية إرهابية، أي بمعدل عملية إرهابية يومية، وفي العام 2021 وقعت حوالي 3 عمليات، أي عملية كل 3 شهور تقريباً فقط.
وأخيرا أعيد وأكرر كما قلت من البداية، فإن هذه النوعية من الدراما الوطنية لاتعرض فقط بطولا ت الجيش في التصدي لفلول الإرهاب في سيناء، بل إنها تهدف إلى التركيز على الهوية الوطنية التي ينبغي أن ترسخ في ذهن شبابنا الحالي، كما أنها لا توثق (الدراما الوطنية) الوقائع التاريخية فحسب، بل تقدم صورة فنية عن الوطن، يمتزج خلالها الواقع بالخيال الخصب، العامرة قلوب أصحابه بالولاء والانتماء للأوطان، لا الأفكار الهدامة، أو الجماعات الضالة المغرضة، لذلك لا يتوقف أثرها على ردود الأفعال الأولى التي تشيد أو تعجب، بل يمتد الأثر مع تكرار المشاهدة وينتقل تأثيرها الإيجابي جيلا تلو الجيل، وبث الروح الوطنية، كما تهدف إلى إبراز بطولات الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل وطنهم، وكذلك إلقاء الضوء على بطولات أفراد الجيش والشرطة المكلفين بحماية وطنهم من واقع مسؤوليتهم الاجتماعية.