أول خطيئة ارتكبت على وجه الأرض كانت القتل، وهي قتل قابيل لأخيه هابيل بسبب الحقد والطمع الذي ملأ قلب الأخ تجاه أخيه، انطلاقا من الدراما الأولى والجريمة الأولى تبدأ أحداث مسلسل عملة نادرة بطولة نيللي كريم وأحمد عيد وجمال سليمان بوضع نادرة (نيللي كريم) لمولودها يوسف مما يجعل الحقد يملأ قلب عمه مسعود ( أحمد عيد) الذي لم ينجب هو وزوجته الولد، ويزداد الحنق على أخيه بلال (علي الطيب) حين يخصه الوالد عبد الجبار بأرض خصبة مما يجعل مسعود يضمر لأخيه، ويقتله دون أن يعرف أحد.
اختار المؤلف مدحت العدل الصعيد لتمثيل قضيته واختار البطولة لأمرأة وليس رجل وذلك ليناقش قضايا مثل هضم حق المرأة في الميراث وتجارة السلاح والمخدرات وكذلك التطرف والإرهاب، وخلق المخرج محمد العدل ببراعة مع مهندس الديكور أمير عبد العاطي أجواء أسطورية لتطرح القضية في بعد إنساني عالمي يقول أن القصة بدأت من القدم ولم تنتهي حتى الآن، وساهم في خلق الجو الأسطوري الموسيقى الرائعة لعادل حقي وتصوير أحمد فهيم بالكادرات خافتة الاضاءة لتعكس ظلام النفس البشرية حين يسيطر عليها غشاوة الأطماع والأحقاد.
إجادة اللهجة الصعيدية لدى الممثلين كان عظيما وساعد في الاندماج مع الأجواء الخاصة وتصديق الحالة، لأن هذه النوعية من الأعمال إذا فقدت معيار الصدق خلقت حدا فاصلا بينها وبين الجمهور المتلقي، ويحسب هذا للمخرج المبدع محمد العدل الذي تثبته أعماله السابقة وهذا العمل يؤكد إنه مخرج التفاصيل، ولديه حس تسجيلي جميل يظهر في مشاهد النجع وسوقه فهو يفرد لقطات تبدو وثائقية لعالم النجع تجعلني كمشاهد أصدق الدراما وأتعايش معها، كما إنه أعاد اكتشاف نيللي كريم في منطقة جديدة في فن التشخيص حيث أجادت ببراعة دور المرأة الصعيدية، وقدم أحمد عيد لأول مرة في دور الشرير فكأنما نرى ممثلا أخر غير الكوميديان الذي نحبه ونعرفه، وما يعجبني في أداء أحمد عيد هو أداءه لشخصية الفيلن دون تبريقة أو تقطيبة حاجب ولا نبرة زاعقة، قدم الشر بسلاسة تشبه الأشرار في الحياة الحقيقة لا أشرار الدراما المصنوعة.
مسلسل عملة نادرة يعيدنا للدراما الصعيدية التي تربينا عليها وأحببناها كما كان يكتبها الكاتب الكبير محمد صفاء عامر، ولاشك أن ذلك يحسب لصناع العمل وللعدل جروب والمنتج جمال العدل، حتى إنهم نبشوا في أوراق الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي وأخرجوا لنا تحفة شعرية في شارة البداية: وإيه يقول الليل بصوت الكينج محمد منير، ويكفي أن اذكرك بأخر مقطع في القصيدة: حزني القديم عاود… وجاني تاني تاني… من اليتامى… ومن ليالي المقهورين.
تتألق الدراما وتلبس أزهى أثوابها حين تقترب من الحدوتة الأصلية وهي نادرة وماذا أريد بها، حين يكيد لها الجميع، بدءا من عبد الجبار وزوجته سكينة وزوجات أخوة زوجها الراحل، بينما تصبح أقل وهجا حين تبعد عن تلك القصة لعوالم أخرى مثل عالم تجارة السلاح، فكلما كانت القضية تبدو ضيقة كلما أوغلت الدراما في سبر أغوار النفس الإنسانية، وهذا يظهر جليا في مسألة الخياطة دميانة وزوجها المغترب للعمل ومدى عوزها لعودته.
العدل جروب؛ إنتاجا وكتابة وإخراجا ينحازوا دائما لقضايا إنسانية وعلى الأخص النسائية منها فهم ينتصروا للمرأة المقهورة والمظلومة والمهمشة في الوقت الذي يؤكدوا فيه على قوة وصلابة المرأة المصرية، لذلك كمتذوقة للفن أولا وكامرأة ثانية وكمصرية ثالثا انحاز لهذه الدراما التي تنحاز للنساء المصريات وتبدع في إعادة الحق لهن والاعتبار على مستولى الدراما، فلو نظرنا لأعمالهم المنتجة سنويا سنجد دائما ما تكون البطولات نسائية فعلى سبيل المثال هذا العام لهم ثلاثة أعمال وهي عملة نادرة و1000 حمدلله على السلامة وجميلة، والثلاث بطولات نسائية، وكذلك الأعوام السابقة، لذلك فأنا احترم من يرفعوا الشعار ويطبقوه فهؤلاء أصبحوا عملة نادرة.