لا تتوانى بريطانيا عن دعم الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من قرن من الزمان عبر تمكين الصهيونية من إقامة كيان محتل على أراضي الفلسطينيين، وذلك بإصدار بلفور لوعد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عام 1917، ورغم أن هذا الوعد يشكل جريمة مكتملة الأركان ضد الفلسطينيين إلا أن الجانب البريطاني لم يعتذر عنها للجانب الفلسطيني أو يدعمهم في الحصول على حقوقهم المشروعة بإقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967.
وقعت بريطانيا وإسرائيل خارطة طريق حملت اسم "وثيقة 2030: خارطة طريق جديدة للعلاقة الثنائية البريطانية – الإسرائيلية"، وقد مثل الاحتلال في التوقيع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين ونظيره البريطاني جيمس كليفيرلي، وتهدف الوثيقة إلى تعزيز العلاقات بين الطرفين خلال السنوات السبع القادمة حتى عام 2030، في تجاهل بريطاني واضح للانتقادات الدولية لبعض الأحزاب الممثلة في حكومة الاحتلال.
يشكل توقيع هذه الوثيقة سابقة خطيرة، حيث أنها لم تذكر الحدود الجغرافية للاتفاقية، ووجوب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي على حدود 1967 وعدم قانونية الاستعمار الاستيطاني، وذكرت فلسطين فقط في سياق تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين.
ووفقا لما ورد في الوثيقة الموقعة، تعارض بريطانيا توجه الجانب الفلسطيني لمحكمتي العدل والجنائية الدوليتين، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تنطوي الوثيقة البريطانية الاسرائيلية على مخاطر بالغة كونها تخرج علاقاتهما الثنائية من إطار الشرعية الدولية واتفاقاتها الملزمة، و تعفيهما في بناء شراكتهما الاستراتيجية من الخضوع للقانون الدولي والإنساني، وتحللهما معا من التعهدات والالتزامات السابقة بتسوية الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي وفقا لمبدأ الأرض مقابل السلام وحل الدولتين .
وتختزل الوثيقة الحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني وقصرها على الجوانب المعيشية والاقتصادية فقط دون التطرق لحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود 67 وفق مبدأ "حل الدولتين"، فضلا عن اتفاق لندن وتل أبيب على التصدي المشترك لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، وكذلك معارضة عمل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية فيما يخص التحقيق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. والمشاركة في إحباط جهود إدانة السلوك الاستعماري الصهيوني العنصري في الأمم المتحدة والمحافل الدولية.
الوثيقة الموقعة بين بريطانيا وإسرائيل تكشف مدى تطور الشراكة الاستراتيجية البريطانية الإسرائيلية في كافة المجالات السياسية والديبلوماسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاستثمارية والتجارية والعلمية والتكنولوجية . وتغلغلها في كافة الأطر التشريعية والتنفيذية والقضائية البريطانية.
وستفتح المملكة المتحدة نصبا تذكاريا جديدا لـ "الهولوكوست" وستعمل على تعزيز التعاون والتنسيق في المحافل متعددة الأطراف لمواجهة معاداة السامية ونزع الشرعية والتحيز ضد إسرائيل.
وتعد خارطة الطريق الموقعة بين لندن وتل أبيب تتويج للجهود التي بدأت بتوقيع مذكرة تفاهم في نوفمبر 2021 للعمل بشكل أوثق خلال العقد المقبل على الإنترنت والتكنولوجيا والتجارة والدفاع ، والتي رفعت رسميًا علاقة المملكة المتحدة بإسرائيل إلى "شراكة استراتيجية".
وفي العام الماضي، أطلقت المملكة المتحدة وإسرائيل مفاوضات بشأن اتفاقية تجارة حرة جديدة، مع التركيز على الابتكار بهدف الارتقاء بالعلاقة التجارية، تعتبر اتفاقية التجارة الجديدة، من خلال خفض الحواجز وتأييد التجارة الحرة، أولوية رئيسية لكلتا الحكومتين.
التحركات التي تقوم بها إسرائيل بتعزيز شراكاتها واتصالاتها مع أطراف إقليمية وغربية فاعلة تحتاج إلى تحرك فلسطيني مضاد ومنظم لحشد الدعم الكامل لحقوق الفلسطينيين وتعرية الاحتلال الإسرائيلي وكشف مخططاته الرامية لإنهاء الوجود الفلسطيني وتبديد أي فرصة لتفعيل المفاوضات على أساس مبدأ حل الدولتين، لذا يجب على الفلسطينيين الاتفاق على رؤية وطنية موحدة تعزز وحدتهم وتنطلق إلى الخارج لحشد الدعم الكامل لحقوق أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.