لم أكن يوماً أتصور أن أطلب الخط الساخن للحصول على خدمة، وتستمر المكالمة لمدة 40 دقيقة دون انقطاع، لدرجة ندمت معها على ما سلكت، فما دفعته من تكلفة للمكالمة تقريباً بلغ نصف المبلغ الذي أتظلم من ضياعه بأحد البنوك، وأظن أنني لست الوحيد الذي يعاني من تلك المشكلة، بل هناك الآلاف ربما الملايين، الذين لا يجدون خدمة لائقة خلال التحدث مع "الكول سنتر".
في السنوات القليلة الماضية تحولت فكرة الخط الساخن أو الكول سنتر من أداة لخلق حلول سريعة، وطريقة مباشرة لسماع صوت الجماهير إلى مضيعة للوقت، ومجموعات كبيرة من الموظفين والإدارات بـ" تسترزق" إن جاز التعبير، من أجل استكمال الشكل الديكوري في العديد من المؤسسات أو الشركات، وصارت مضيعة لوقت العملاء، وتكاليف وأعباء دون أن توفر حلول أو تنقل مقترحات وتوصيات للإدارة العليا.
مشكلة الكول سنتر في مصر لها سببان أساسيان، الأول يتمثل في نقص خبرة العاملين بها، فغالباً ما يتم تحويل الموظفين الجدد، الذين لا تتوفر لديهم خبرات فنية معينة إلى هذا القسم، وإدارتهم تكون عن طريق مدير أو أكثر في كل "شيفت" أو وردية، الأمر الثاني وأظنه الأهم أن من يضعون فلسفة الإدارة في المؤسسات المصرفية أو الشركات التي تقدم خدمات مباشرة للمواطنين لا يضعون الصلاحيات اللازمة لموظف الكول سنتر، حتى يمارس دوره كما ينبغي، فيتحول إلى مجرد عامل السويتش أو التحويلة، الذي يتلقى المكالمات، دون أن يكون له دور واضح في الحلول أو تقديم الدعم للعملاء أو الزبائن.
منطق "الإحالة" هو الأقرب لموظف الكول سنتر، فغالباً ما يدعوك للانتظار كل دقيقة أو أكثر لسؤال المختص والعودة إليك مرة أخرى، نتيجة أنه "منزوع الصلاحيات"، وغير مؤهل لتقديم الخدمات التي تهاتفه من أجلها، اللهم إلا تلك السهلة الواضحة، التي يمكن لأي شخص يمتلك موبايل متصل بالانترنت تسويتها عبر التطبيقات الجديدة، التي ساهمت بصورة متميزة في تقليل أعداد المترددين على البنوك بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة.
"أعتذر لطول الانتظار .. جاري تحميل البيانات .. جاري المتابعة.. جاري العمل علي تنفيذ طلبك"، هذه عبارات دائما ما نسمعها من المسئولين في الكول سنتر، حتى باتت محفوظة ومستهلكة، بل مستفزة أحياناً، فلا حلول أو إجابات، وغالباً ما تنتهي المقدمات السابقة بجملة معروفة: "عليك التوجه لأقرب فرع لإتمام الخدمة"، فيضيع كل ما استهلكته من وقت سدى ، ودون جدوى، وتصبح كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاساً، فالحل والعقد من يبدأ دائماً من داخل فروع البنوك، ولا أحد يلتفت إلى الجهد والوقت والمال المهدر مع موظفي الكول سنتر.
مشكلة صغيرة في الدفع بكارت الائتمان لأحد تطبيقات تحصيل فواتير الكهرباء عبر الموبايل، تمت العملية وبالفعل خصمها البنك من رصيدي، إلا أنها ظلت مُعلقة لدى الشركة المسئولة عن التطبيق، وهذا ما تكشف لي عند دفع فاتورة الشهر التالي، وإذ بي أجد السابقة كما هي ولم يتم تحصيلها حتى الآن، خاطبت شركة الكهرباء، التي بدورها خاطبت الشركة المسئولة عن التطبيق، فأحالني الجميع إلى البنك، ليرد الأخير أن العملية تمت بالفعل وقد تم تحصيل المبلغ!
من البنك إلى الشركة، ومن الأخيرة إلى الأول مرة أخري، حتى أخبرني أحد الأصدقاء بضرورة عمل شكوى في البنك من خلال الكول سنتر، وبطبيعتي كمواطن أحب دائماً خوض تجارب الناس والتعامل مع قنوات الشكوى، فهذا يمنحني ميزات عظيمة، أولها اختبار جودة الخدمة المقدمة، وثانيها أجعل منها مادة مناسبة للكتابة تهم الناس وتخاطب احتياجاتهم، فهكذا نستفد جميعاً، إلا أن التجربة هذه المرة كانت أكثر إرهاقاً، ودفعت تكاليفها "أذني الوسطى"، التي أظن أن الالتهاب أصابها من طول المكالمة، التي استمرت لمدة 40 دقيقة كاملة!
واضح تماماً من المكالمة أن موظفة الكول سنتر حديثة التعيين في البنك، فلا تعرف طبيعة الخدمات المتاحة للعملاء، ولا تجيد رد الفعل السريع في التعامل مع الشكاوى المالية، لذلك ظلت تسمع كل سؤال ثم تعود لمديرها المباشر للرد والإجابة، فأدركت حينها أن المشكلة بلا حل، ووصلت في النهاية إلى تحرير شكوى إلكترونية، وهنا كانت المفاجأة، فالشكوى سيتم البت فيها خلال 60 يوم عمل، كما أن تكلفتها 75 جنيهاً حال كانت التفاصيل الخاصة بها غير صحيحة، أو حدثت نتيجة أسباب لا تخص البنك، وهذا ما أصابني بالذهول، وفي هذه الحالة يجب عليك دفع ثمن الشكوى، حتى لا تشتكي مرة أخرى!
وافقت على كل الإجراءات التي طلبتها موظفة الكول سنتر، وبعد غلق الهاتف معها أرسلت الشكوى لمدير البنك نفسه، ونائبه والمديرة المسئولة عن قطاع العلاقات العامة، لكن جميعهم لم يرد، فأدركت حينها أن قنوات الاتصال مسدودة، ومصالح الناس آخر ما يشغل البعض، والاهتمام ينصب فقط على الشو والاستعراض، لذلك أتمنى أن أجد في المستقبل القريب خدمة كول سينتر محترمة في كل مؤسسات مصر العامة والخاصة، والاهتمام بجودة هذه الخدمة، باعتبارها معيار أساسي لإرضاء المنتفعين، وهذا لن يحدث فقط بأن المكالمات مسجلة، أو التقييمات شكلية، بل بتعليم مختلف، وثقافة عمل جديدة تضع الجودة فوق كل اعتبار.