يتحقق العدل بالإنصاف والمساواة، فلا انحياز ولا تحيّز، ولا ظلم، وتتأتى العدالة من خلال سن القوانين ذات الطابع الاجتماعي، والسياسي، والجنائي، بهدف تحقيق الإنصاف بين الجميع في مختلف مناشط الحياة، وضمانة العدل مرهون بتفعيل القوانين؛ حيث العمل على منح الجميع الفرص المتساوية، بالإضافة إلى حمايتهم، ومن ثم يُشكل العدل ضرورة؛ فبواسطته يتأصل حُب الأوطان، ويدفع بالمواطنين إلى زيادة الإنتاج، كما يؤدي بهم إلى التكاتف والترابط، ويدفعهم للاستقامة على الأحكام والقوانين، والتي تتوافق مع القيم الإنسانية المثلى.
ويشير الاندماج الاجتماعي إلى علاقات المودة والعطف وحب الآخرين والتعاون واحترام حقوق الغير والتعلم العميق الذي ينتج أفكارًا مثمرة، تؤدي إلى مزيد من التفاعل الاجتماعي مع المجتمع الذي يستوعب الفرد ثقافته ولغته، كما يُعنى به العملية الاجتماعية التي تُمكن الأفراد من الانصهار في مجتمعاتهم أفقيًا بتمثل قيمها وعاداتها وأنماط معيشتها، ورأسيًا باكتساب هوية سياسية تعزز انتسابهم لمؤسسة الدولة وتوطد ولاءهم لها.
ويتضمن الاندماج الاجتماعي في طياته الشراكة بين المجتمع ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية في صورة علاقات أفقية قائمة على التنسيق بين عناصر الحياة الاجتماعية لتشكل نماذج جديدة وعلاقات قوية بين الدولة ومؤسساتها ومواطنيها، وتسهم في إزالة الحواجز القائمة بين الطبقات أو الجماعات المختلفة داخل المجتمع الواحد، ويزيد من مستوى التلاحم والتضامن، والترابط، والتشابك، والوحدة.
ويتناول الهدف الثاني من رؤية مصر 2030 العدالة والاندماج الاجتماعي والمشاركة؛ فما ورد فيها أن الدولة تسعى عبر أجندتها الوطنية إلى تحقيق العدالة من خلال تحقيق المساواة في الحقوق والفرص، وتوفير الموارد في كل المناطق الجغرافية، في الريف والحضر على حد سواء، وتعزيز الشمول المالي، وتمكين المرأة والشباب والفئات الأكثر احتياجاً، ودعم مشاركة كل الفئات في التنمية، وتعزيز روح الولاء والانتماء للهوية المصرية.
ويقوم الفكر التنموي للجمهورية الجديدة على فلسفة التنمية بالمشاركة، بما يعني أن التنمية لا تقوم إلا من خلال مشاركة جميع مؤسسات المجتمع وأفراده مع الدولة؛ لتحقيق التنمية بشموليتها واستدامتها وعدالتها، بغرض تحقيق طموحات وتطلعات المجتمع ومؤسساته، ليتحقق التقدم والنمو المستمر والمتواصل والمخطط له وفق استراتيجية مصر الوطنية.
ويؤسس الاندماج الاجتماعي على مبدأ تكافؤ الفرص عبر تأكيد العدالة الاجتماعية والاقتصادية، للعمل على رفع مستوى المعيشة لكافة طبقات المجتمع؛ لتأكيد المشاركة والدافعية المجتمعية، بما يؤدي إلى الحفاظ على النسق العام للمجتمع، ويزيد من دعم سياسات الدولة، والتوجه لتحقيق غاياتها العليا.
ولا ريب من أن العقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها يقوم على العدل؛ لذا تحرص الدولة المصرية على دعم الطبقة الفقيرة بكل إمكانياتها؛ حيث توفر الاحتياجات الأساسية، كما تجذب أصحاب العمل نحو المشاركة الإيجابية الواعية المسئولة في مشروعات الدولة القومية.
وسياسات الجمهورية الجديدة واضحة في تحقيق العدالة والاندماج الاجتماعي والمشاركة؛ إذ إنها ملتزمة بتوفير متطلبات الحياة لضمان مستوى معيشي مرضي للمواطنين؛ لتحقق احترام الذات والكرامة وتؤصل للاستقرار المجتمعي، وتحد من مشكلات النمو الاقتصادي المستهدف؛ سعيًا لتوفير سبل العيش الكريم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي لمواطنيها، بغية تعزيز سلامة المجتمع وتماسكه، أملًا للوصول لحد الرفاهية عبر آليات التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية بالتنمية على المستوى الرسمي وغير الرسمي بالدولة.
وتلقى إنجازات الدولة المصرية قبولًا وتوافقًا مجتمعيًا واسعًا؛ حيث إنها تستهدف العمل على تلبية حقوق واستحقاقات المواطنين؛ فتقدم عبر مشروعاتها ومبادراتها المستمرة مقومات الأمن الاقتصادي؛ لتشمل رعاية الذين يبلغون الشيخوخة، والعجزة، وأصحاب الهمم، والأطفال، والأشخاص الذين يعانون من وطأة الفقر المدقع، والعاطلون عن العمل بسبب من الأسباب الخارجة عن إرادتهم، وهذا ما أدى إلى أن يندمج كل فرد أو فئة اجتماعية في أنشطة المجتمع المختلفة؛ ليحدث الاندماج الاجتماعي في صورته المنشودة.
وحري بالذكر أن الاندماج الاجتماعي له عديد من المتطلبات التي تُسهم في تفعيله، وتُشكل ركيزة لتحقيق غاياته؛ فمنها ما يتعلق بالرعاية الصحية للمواطن دون تمييز، وهذا ما تسعى الدولة جاهدة لتحقيقه عبر تحسين الخدمات الصحية؛ إذ تعمل على تهيئة الظروف المناسبة التي تتيح لكل فرد إمكانية التمتع بأكبر مستوى ممكن من الصحة، والمطالع لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يلاحظ انخفاض معدلات الوفيات، وتراجع انتشار الأمراض المتوطنة، وارتفاع خدمات الرعاية الصحية للجميع، ويرجع هذا إلى قيام الدولة بدورها المحوري بفضل توجيهات قيادتها السياسية التي تبذل من الجهود ما يفوق الخيال في شتى المجالات والقطاعات.
ولأن الحق في التعليم من الحقوق الأساسية التي نص عليها الدستور المصري؛ فإنه يُعد من المتطلبات ذات الأولوية للاندماج الاجتماعي، ومن ثم أتاحت الدولة المصرية تنوعًا في التعليم يُلبي الحرية في اختيار النمط الذي يُلائم المواطن، كما ساعدت في انتشار المؤسسات التعليمية في أرجاء الجمهورية ليتاح للجميع دون تمييز، مع الأخذ في الاعتبار توافر المعايير وعنصر المتابعة والرقابة ، ما يضمن نمو المواطن في كافة الجوانب المعرفية والوجدانية والمهارية.
وحققت الجمهورية الجديدة نقلة نوعية في توفير السكن الآمن لأبنائها؛ إذ وفرت مدنًا جديدة في كافة المحافظات؛ لتستوعب الطلب المتزايد، وتقضي على العشوائيات، وتمكن الفئات المهمشة في نيل حقها بما يحفظ عليها كرامتها وأمانها، وبما يمكن الجميع من المشاركة الفاعلة في الحياة العامة على قدم المساواة، وهذا متطلب رئيس من متطلبات الاندماج الاجتماعي.
وتحاول الدولة بالشراكة مع مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية أن توفر المستوى المعيشي الذي يتناسب مع المتغيرات المحلية والعالمية؛ إذ قامت برفع الحد الأدنى للأجور، وصرف الإعانات لمُستحقيها لسد حاجة العوز؛ فالدولة المصرية تهتم بالتنمية البشرية والاقتصادية على حد سواء؛ حيث ترتقي بمهارات وقدرات الفرد، وتقدم له ما يحفظ عليه صحته البدنية والنفسية والعقلية والاجتماعية والوجدانية؛ بالإضافة لاهتمامها الواضح باستثمار الموارد الاقتصادية التي تولد الثروة وتزيد من الإنتاجية، والمنظور والملاحظ في تطوير البنى التحتية والبنى المؤسسية والإصلاح الإداري لأجهزة الدولة.
وضربت الدولة النموذج الأروع في تأهيل ورعاية أصحاب الهمم بكل فئاتهم؛ حيث قدمت الرعاية المتكاملة والدعم اللوجستي لمؤسساتهم والتي تستهدف تأهيلهم مهنيًا ورعايتهم اجتماعيًا؛ ليتحقق الاندماج الاجتماعي، الذي يضمن خروجهم من حالة الانعزال إلى حالة الدمج التام بالمجتمع، بما ينعكس على صحتهم النفسية والبدنية.
وبرغم ما يقع على عاتق الدولة من المسئوليات الاقتصادية والاجتماعية؛ إلا إنها ملتزمة بالعمل على زيادة مخصصات الإنفاق الاجتماعي؛ لتستوعب جميع فئات المجتمع وبالأخص ما كان مهمشًا منها، كما تقدم الدعم التام واللازم للمشاريع الصغيرة أحد أهم السبل النمو الاقتصادي والتي تحقق الاندماج الحقيقي لأفراد المجتمع سواء المشارك أو المستفيد.
ويصعب أن نغفل دور المنظمات الأهلية التي تؤدي دورًا وطنيًا من خلال مبادراتها التي لا تنقطع؛ لتقدم الدعم المتنوع للفئات المستحقة، وهذا بالتأكيد يعمل على تقوية العلاقات بين أطياف وفئات المجتمع، ويحقق ماهية العدالة الاجتماعية، ويزيد من تعميق المواطنة في نفوس المواطنين، ويوجد مجتمع ديمقراطي مسئول يسعى لتحقيق غايات الوطن، ويغلبها على المصلحة الشخصية.
وفي إطار ما سبق يتضح دور الدولة الحيوي والفاعل في تحقيق الاندماج الاجتماعي عبر سياستها التي تنال الرضا الجماهيري، والفضل لله تعالى ووعي قيادتها السياسية الداعمة، حفظ الله علينا بلادنا، ورفع شأنها وحقق أمانيها.