فى ظل صمت المجتمع الدولى تواصل قوات الاحتلال والكيان الصهيوني اعتداءات مؤسفة على المسجد الأقصى في فلسطين خلال شهر رمضان الفضيل، والتعدي على المصلين والمعتكفين، والإصرار على إلحاق أضرار فى البنية التحتية للمسجد، والعجيب أن هذا الصمت العالمى على هذه العمليات الإرهابية يأتى فى ظل مجتمع دولي يتباهى يوميا بمواثيق دولية لحماية دور العبادة، فأين هى هذه المواثيق من حماية المسجد الأقصى؟ .. وأين دور المجتمع الدولى من جرائم الكيان الصهيوني الهمجية في تدنيس المقدسات الإسلامية؟.. ولماذا يقف المجتمع الدولى صامتا ضد محاولات المتطرفين والكيان الصهيونى من إخلاء الأقصى المبارك من أهله، وفرض واقعٍ سياسي بقوة السلاح لتغيير الهوية التاريخية للمقداسات الإسلامية، والعمل على تكريس التقسيم الزمانى والمكانى للقدس الشريف والمسجد الأقصى؟
فقولا واحدا، ما يحدث الآن من انتهاكات للمسجد الأقصى ومن تهميش متعمد للقضية الفلسطينية من قبل المجتمع الدولي يدفع إسرائيل إلى مواصلة الانتهاكات، بل سيؤدى حتما إلى تفاقم الأوضاع وعدم الاستقرار في المنطقة ككل مما يُنذر باضطرابات في المستقبل، ويجعل الأمور أكثر سخونة، ويُقلل من احترام مسارات السلام والتفاوض، لأنه ببساطة الشعب الفلسطينى ليس لديه ما يخسره فلن يبخل بدمائه أبدًا، خلاف أن هذا يٌنذر باشتعال المنطقة ككل لأنه في ظل الاستقطاب العالمى الحادث الآن.
لذلك، يجب على الأطراف الداخلية فى فلسطين أولا العمل على إعادة ترتيب البيت الفلسطينى، والتوحد والاصطفاف، ويجب على الأمة العربية والإسلامية اتخاذ مواقف حاسمة تجاه ما يحدث فى الأقصى والقدس الشريف، وعدم التعويل على المجتمع الدولى، لأنه لو كان يريد المجتمع الدولى فعل شىء لفعل، خاصة أن هناك عشرات القرارات من مجلس الأمن الدولى لم يستطع أو يرغب فى تنفيذ قرار واحد منها، بل لديه مئات التوصيات من قبل الأمم المتحدة بشأن الصراع الفسلطينى الإسرائيلي على مدار العقود الماضية وحتى الآن لم يستطع أو يرغب فى تنفيذ هذه التوصيات، إذن المجتمع الدولى لا يريد ولا يرغب، وبالتالي لا يقوم بمسؤولياته تجاه هذا الصراع لا على المستوى القانونى أو الأخلاقى والإنسانى، فالتعويل عليه فى ظل هذا الصمت المتعمد هدر للوقت والجهود، بل بمثابة منح فرصة للكيان الصهيوني تنفيذ ما يريد من مخططاته الاستراتيجية.
ولأن أيضا تغافل المجتمع الدولى عما يحدث الآن في فلسطين يؤدى قطعا إلى استحالة مبدأ "حل الدولتين" لأن التداخل السكاني بين الشعبين الفلسطيني واليهودي نتيجة التوسع في الاستيطان لا يمكن ترسيمه جغرافياً، وأن الهوية الوطنية لا يمكن طمسها بالتجنيس، وبالتالي فإن مشروع حل الدولتين الذى يعترف به العالم أجمع منذ تم طرحه في الأمم المتحدة عام 1947، والذى قام على أساسه اتفاق أوسلو 1994، سيصبح من المستحيلات.
لذا.. يجب على الجميع أن يعى ما تفعله إسرائيل يأتى ضمن استراتيجيتها القومية التي لا تتغير بتغير الحكومات، فالقصة فى اعتقادى ليست قصة وجود حكومة متطرفة، فالناظر إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ أكثر من ٧٠ عاما لا يجد إلا الإصرار على تكريس التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى والقدس، والاعتماد على مجموعة من اللاءات الغير قابلة لأى نقاش أهمها، لا لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينين، ولا لإيقاف الاستيطان الإسرائيلي، ولا لحرمان إسرائيل من المياه العربية، ولا لوجود تحالف عربى استراتيجى يهدد حلمها أو مصالحها.
ولا يجد أيضا إلا حكومات تتقن سياسة المراوغات والوعود الكاذبة، والقيام بعمليات عسكرية بين الحين والآخر من أجل سياسة الردع، وتعزيز الانقسام بين الأطراف الداخلية، والحفاظ على مصادر القوة مقابل الحفاظ على حالة الضعف للفلسطنيين، وبالتالي فلا فرق بين حكومة نتنياهو المتطرفة أو غيرها من الحكومات، فالكل يأتي وفق لاستراتيجية وأهداف كبرى يعمل على تحقيقها وفقا لمعتطيات المرحلة.
وأخيرا .. إن ما يحدث من اعتداءات على المسجد الأقصى بمثابة صفعة قوية بوجه المجتمع الدولى، وأن مهما طال هذا الصمت العالمى ستبقى فلسطين مهما كانت الاستراتيجيات، ومهما طال الصراع.. فاللهم نصرا لأشقائنا فى فلسطين..