تبقى "الصداقة" وردة عبيرها الأمل ورحيقها الوفاء ونسيمها الحب وذبولها الموت، فهي نعمة من الله وعناية منه بنا، هي ملح الحياة، كالمظلّة كلما اشتّد المطر، ازدادت الحاجة لها، فهي بمثابة عقل واحد في جسدين.
ومن بين كل الصداقات، تبقى "الصداقة" الصادقة متينة وراسخة، فهي كالعلاقة بين العين واليد، إذا تألمت اليد دمعت العين، واذا دمعت العين مسحتها اليد، فمن بين كل الأصدقاء هناك صديقٌ واحدٌ يُشبهُ البحر، تزورهُ كلما ضاق بالآلام صدرُك، ولا تُغادرهُ إلا وقد زال همُّك، فتمضي مبتسماً راضياً على الرغم من أنك لم تتحدث إليه ولم تبُح لهُ بشيءٍ من كل ما يُحزنُك.
يجب أن تكون "الصداقة" قائمة على المحبة، مبنية على الود لا المصالح، فالصداقة الحقيقية كالخطوط المتوازية، لا تلتقي أبداً إلا عندما تطفو المصالح على السطح، عندها تفقد توازيها وتتقاطع، فصداقات المصالح سرعان ما تنتهي بانتهاء المصالح، فتقاس الصداقة بصدق المواقف وليس بطول السنين، والصديق الحقيقي هو الذي يمشي إليك عندما يبتعد باقي العالم عنك، فالصداقة لا تغيب مثلما تغيب الشمس، ولا تذوب مثلما يذوب الثلج، ولا تموت، إلا إذا مات الحب، وفي الأزمات والمواقف الصعبة تظهر معادن الأصدقاء، فلا تستمر في صداقة هؤلاء الذين ينفضون من حولك عندما يلم الألم بك ويزور الحزن بيتك.
ابحثوا عن الأصدقاء الأنقياء الذين يتواجدون في حياتكم حبا فيكم، لا يعرفون مصطلحات "المصلحة"، فالصداقة صدق وود وإيمان، وقصر مفتاحه الوفاء وغذاؤه الأمل وثماره السعادة، فثمار الأرض تجنى كل موسم، لكن ثمار الصداقة تجنى كل لحظة، فامتلاكك أموالاً كثيرة فأنت غني، أما امتلاك أصدقاء أوفياء فأنت الغني بنفسه.
الصداقة الحقيقية هي التي تنعش القلوب، فهي الوردة الوحيدة التي لا أشواك فيها، وهي الوجه الآخر غير البراق للحب، ولكنه الوجه الذي لا يصدأ، والواثقون من الصداقة لا تربكهم لحظات الخصام، بل يبتسمون عندما يفترقون، لأنهم يعلمون بأنهم سيعودون قريباً، فليست الصداقة البقاء مع الصديق وقتاً أطول، بل البقاء على العهـد حتى وإن طالت المسافات أو قصرت.
حافظوا على أصدقائكم الحقيقيين الصادقين، واعلموا أن الصداقة شجرة تنمو وتكبر وتترعرع كلما سُقيت بماء المحبة والوفاء والإخلاص، فسلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا.