للأسف.. الغالب هو التناحر والإقصاء والمباعدة بين أي طرفين اشتد الخلاف بينهما، حتى وإن كان الخلاف على أساس مناقشة، عن أى موضوع، وأجج بعض المتعصبين هذا التباعد في رفض آراء الآخرين دون الاستماع والنقاش الهادئ واحترام أساليب الحوار.
يقول الله تعالي "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"، ولا يحتاج أحد للبحث عن معنى الآية الواضح بذاته، فالاختلاف سُنة كونية وإلهية لا يمكن تجاهلها، ولكن الاختلاف نفسه ينبغي وضع إطار له، حاول البعض وضع خطوط إخلاقية وسياسية، ولكن عند وضع إطار ديني اختلفوا وتعصبوا لأفكارهم لحد النزاع أحياناً بالقول والفعل.
وبمناسبة طرح مسلسل رسالة الإمام من إنتاج الشركة المتحدة والذي يتناول بعض من حياة الإمام الشافعي ضمن الإعمال الفنية القيمة التي لفتت الأنظار في رمضان 2023، فوجدتها فرصة عظيمة لمناقشة فكرة الاختلاف وعرض نموذج على أرض مصر يتبنى فكرة الاختلاف، وأيضاً كونه عالما دينيا جليلا فإنه الأجدر بأنه يكون نموذج يحتذى به في اختلافاتنا.
يروى عن الإمام الشافعي أنه اختلف مع إحد تلاميذه في مسألة ما، حتى أن التلميذ قام من مجلس الإمام ليفارقه ويذهب إلى منزله، ليذهب إليه الإمام ويقول له "تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة واحدة!" ويستزيد:"أحياناً كسب القلوب أولى من كسب العواطف.. اكره الخطأ دائما ولا تكره المخطئ" وعلى فرض صحة الواقعة من عدمها الا ان هناك شواهد تؤكدها في شخصية الإمام ولكنها إجمالاً نموذج قويم ينبغي العمل به.
للأسف بعض نقاشاتنا تنتهي بضغينة على غير المفروض، وهذا لمحاولة كل طرف الإنتصار في معركته الكلامية، ليبدأ بشحذ لسانه بكلمات انصال سيوف كما ورد عند الإمام" أحفظ لسانك ايها الإنسان، لا يلدغنك إنه ثعبان.. كم في المقابر قتيل لسانه، كانت تهاب لقاءه الاقران"، لا ينبغي أن تكون هكذا لغة الحوار فيما بيننا، هدوئنا يعبر عن معادنا، وتفكيرنا وتقبل إختلافنا يعبر عن أصلنا وتربيتنا، فيقول الشافعي:"فناظر من تناظر في سكون.. حليماً لا تلح ولا تكابر"، للأسف تعصبنا لأفكارنا وعدم الاعتراف بالخطأ تكبراً من أسوء الخصال البشرية على الإطلاق.
فينبغي أن نحاول التقليل من شأننا قليلاً، فلا نصل لحد المكابرة والاستكبار، فكما يقال رأيي خطأ يحتمل الصواب، ورأي غيري صواب يحتمل الخطأ، فنحاول سوياً الاختلاف في هدوء، وتعقل أفكارنا لنتتبعها للوصول للغاية التي نبغاها، فلا أشك في أن مبتغانا واحد، ولكن تعدد المسالك هو ما يخلق الاختلاف، وهذا الاختلاف ليس نقمة، بل هو نعمة بحد ذاتها، يظهر لنا عيوبنا عن طريق مشاركة أفكارنا ، فكلما نتناقش نستزيد في معرفتنا، وكما قال الشافعي: "كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي.. وإذا ما ازددت علماً زادني علماً بجهلي"، فكلنا نتعلم من بعض، ولكن لنستمع لبعض قليلاً.