في 2 مارس الماضي، اتصلت بمنظومة الشكاوى الحكومية في مجلس الوزراء، ضمن ما يقرب من 120 ألف مواطن، وضعوا ثقتهم في عدالة الحكومة، وقدرتها على الاستجابة لهم ورد مظالمهم، لكن بعد مرور نحو 40 يوماً دون جديد، أدركت أن هذه الشكوى سقطت من الحسابات فلم يرد عليها أحد، على غير عادة من هذه المنظومة، التي تعتبر الأنجح على مستوى الحكومة، من حيث زمن الاستجابة و طبيعة التدخلات والحلول التي تقدمها للمواطن.
تعاملت كثيراً من منظومة الشكاوى الحكومية منذ نشأتها في عام 2017، ودائماً ما أكتب عنها وأشيد بجهودها، وأعرف مديرها الدكتور طارق الرفاعي، وهو رجل وطني مخلص يعمل بجد، ويحاول قدر المستطاع أن يتواصل مع الجميع لخدمة الناس، وقد كنت أهاتفه دائماً حال وجود أي مشكلة أو شكوى مع المنظومة، لكن هذه المرة لم أتواصل معه، لعدة أسباب، أولاً حتى لا أثقل عليه، وثانياً حاولت أن أتعامل مع الموضوع كأي مواطن عادي لا يعرف بالضرورة مدير المنظومة أو أي مسئول بها، بالإضافة إلى ما تقدمه التجربة من اختبار حقيقي للخدمة التي يحصل عليها المواطن، لذلك وثقت في "عدالة السيستم" ولم أتحدث مع أحد، لكن بعد مرور 40 يوماً يبدو أنني بحاجة لمهاتفة أحدهم لعلي أجد في الأمر جديد.
الشكوى التي أرسلتها للمنظومة تحمل رقم 6186359، وهي بالمناسبة ليست مشكلة شخصية أو قضية لها علاقة بمصلحة أو منفعة مباشرة لي أو أسرتي، لكنها عامة تخص شارع إيران في الدقي، الذي صار يضج بالعشوائية والفوضى، نتيجة غزو سيارات السرفيس والميكروباص بصورة ملفته، والسير عكس الاتجاه، دون الالتزام بأدنى قواعد المرور، فمن يقودون هذه السيارات لا يتجاوزون قواعد المرور فحسب، بل لا يعتبرون للمارة أو السكان أو أطفال المدارس الذين يستخدمون الشارع بصورة دائمة على مدار اليوم.
شارع إيران في الدقي "اتجاه واحد فقط" لسير العربات الملاكي، وغير مسموح بدخول النقل أو السرفيس والميكروباص إليه، وهو مخصص للقادمين من محي الدين أبو العز ناحية اليمين، أو القادمين من شارع التحرير في نفس الاتجاه، لكن سيارات الميكروباص والسيرفيس، في غيبة من رقابة المرور والمحافظة وإدارة السرفيس وأخيراً الحي، يتركونها تسير عكس الاتجاه، دون ضبطها أو تحرير مخالفات لها، مع العلم أن أغلب هذه السيارات مطموسة اللوحات، وتستخدم آلات تنبيه مزعجة جداً، ولا تحترم أدنى قواعد المرور.
ما عرفته أن اللواء أحمد راشد، محافظ الجيزة، طلب من رئيس حي الدقي، غلق شارع الأنصار المجاور لشارع إيران، فقد كانت سيارات السيرفيس تستخدمه في الوصول إلى مكانها المعتاد بجوار محطة مترو البحوث، ولأن البعض ينفذ دون تخطيط، ويسمع دون أن يناقش أو يدرس تبعات القرار، فتم غلق شارع الأنصار أمام السيرفيس، وتوجيه السيارات للسير عكس الاتجاه في شارع إيران، وكذلك محي الدين أبو العز، وبدلا من أن يتم تحديد خط سير واضح لتلك السيارات، وفرض رقابة على تحركاتها، تم التعامل مع الموضوع على طريقة "ودنك منين يا جحا" فأغلقنا شارع، لندمر شارع آخر، وفي النهاية السيرفيس موجود ويتحرك وينشر الفوضى تحت سمع وبصر المسئولين في الجيزة، سواء المحافظة أو المرور أو الحي أو إدارة السيرفيس.
كتبت عن مشكلة الشوارع الداخلية في الدقي منذ نحو شهر ونصف، بل هاتفت المسئولين عن القضية، بداية من اللواء أحمد عبد الفتاح، رئيس حي الدقي، الذي أحالني إلى اللواء أمجد أنور، مدير مرور الجيزة، الذي استمع إلى المشكلة جيداً، وأرسل ضابط وأمين شرطة إلى موقع المشكلة، لكن سرعان ما عادت الأمور إلى ما كانت عليه بعد مرور 24 ساعة تقريباً، وبمجرد ما تركت الدورية المرورية موقعها عاد كل شيء إلى طبيعته مرة أخرى.
وفقاً لبيان الدكتور طارق الرفاعي، مدير منظومة الشكاوى الحكومية، الذي قدمه إلى رئيس مجلس الوزراء فإن وزارة الداخلية استقبلت 9705 شكاوى وطلبات والتماسات خلال شهر مارس الماضي، وتم فحصها والرد عليها والتعامُل معها، لكني أظن أن هناك شكوى لم تجد الاهتمام الكافي، أو المتابعة اللائقة، أو الرد المناسب، فهل ننتظر حادث مرورى لمجموعة أطفال أثناء ذهابهم إلى المدرسة حتى نضع الاهتمام الكافي لهذه الشكوى، أم مصرع عجوز مسنة أسفل عجلات ميكروباص بدون لوحات!
السير عكس الاتجاه في شوارع الدقي بشكل عام بات ظاهرة تستحق الاهتمام والمتابعة من جانب أجهزة الحكومة، فهذه جريمة في حق هذا الحي الراقي، الذي يمتلئ بالسفارات والمدارس، والبنوك، والشركات، كما أن الجمهورية الجديدة، التي تتميز بمواجهة كل ما هو عشوائي أو غير مخطط، لا تقبل أبداً بتحويل الأحياء السكنية الراقية إلى مناطق عشوائية يتحرك فيها السرفيس والميكروباص، وقد نجد قريباً التوك توك، لذلك يجب أن تتحرك الجهات المعنية بسرعة وتواجه هذه الظاهرة بحلول جذرية حقيقية دون النظر إلى الموضوع باعتباره قضية شخصية أو مشكلة سطحية.