مآسى الفلسطينيين نفس مآسى الأندلسيين
توقفنا، أمس، عند نقطة مهمة جدا فى بحثنا عن أسباب سقوط الأندلس فى يد ملوك الإسبان وطرد كل ما هو عربى «مسلم أو يهودى أو حتى مسيحى»، فمادامت فى عروقه نقطة دم عربية فإن مصيره الطرد أو الذبح أو الحرق، حتى «الموريسكيين» آخر من تبقى من الأندلسيين تم قتلهم وطردهم على يد الإسبان، ولعبت محاكم التفتيش دورا قذرا فى مخطط الإبادة والاستئصال للأندلسيين من أراضيهم، وتعد محاكم التفتيش الأسوأ فى تاريخ الإنسانية، لأنها تسببت فى اقتلاع كل العرب والمسلمين من الأندلس نهائيا بعد أن استمر وجودهم أكثر من 800 عام قدم أجدادنا العرب والمسلمون للعالم حضارة عظيمة كانت سببا فى تنوير وإخراج أوروبا من عصور الظلام والإظلام التى كانت تعيش فيها لعدة قرون. ومن خلال ما كتبه الباحث إبراهيم خليل السامرائى عن «الموريسكيين» آخر المجموعات التى حاولت التمسك بإسلامها فى الأندلس رغم المذابح الإسبانية للأندلسيين فإنها فشلت بعد أن خذلهم سلاطين الدولة العثمانية أجداد الأغا رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا الحالى. ويبدو أن السلاطين العثمانيين لم يكتفوا بعدم إنقاذ الأندلسيين من مجازر الإسبان، بل دخلت فى حروب دموية ضد الدول الإسلامية «المملوكية والصفوية وغيرها» بهدف الاستيلاء على خيرات هذه الدول وتركت الإسبان يقومون بطرد المسلمين من الأندلس، حيث تذكر كتب التاريخ أن الموريسكيين أرسلوا استغاثتهم إلى الملك الأشرف قنصوة الغورى «907هـ/1501م - 922هـ/1516م» سلطان دولة المماليك البرجية فى مصر، وأوضحوا له ما وصلت إليه حالهم من إكراه على الارتداد، وانتهاك للحرمات، ودعوه ليتوسط لدى الملكين لكى يحترما معاهدات الاستسلام، ويوقف الأعمال البربرية ضدهم فأرسل سلطان مصر وفدًا لملكى إسبانيا، بأنه سيجبر المسيحيين المقيمين فى بلاده على الدخول فى الإسلام بالقوة، إذا لم يحترم الملكان الاتفاقيات المعقودة بينهم وبين مسلمى الأندلس.
أرسل الملكان الإسبانيان وفدًا إلى مصر فى عام 1501م يتزعمه رئيس كاتدرائية غرناطة، الذى استطاع أن يخدع سلطان مصر ويوحى له بأن الموريسكيين فى حالة جيدة، ومعاملتهم حسنة، وأن لهم الحقوق والواجبات التى يتمتع بها الإسبان. ولم يتابع سلطان مصر الأمر لأنه كان مشغولًا بحركات السلطان سليم الأول، وذهب قنصوة الغورى ضحية لهجوم سليم الأول على بلاد الشام فى معركة مرج دابق عام 1516م، وعندما خابت الآمال التى كان يعلقها مسلمو الأندلس على إخوانهم فى الدين فى بلاد المغرب والمشرق، لم يبق أمامهم سوى خيارات ثلاثة هى: الموت أو التنصير القسرى، أو الهجرة القسرية خارج البلاد، وماحدث لهؤلاء الموريسكيين يتشابه إلى حد كبير مع المجازر التى يتعرض لها الفلسطينيون الآن على يد العدو الإسرائيلى، فقد فضل الكثير منهم البقاء فى بلادهم، والقبول بالأمر الواقع، والتنصير القسرى- ولو بالظاهر- حيث صعب عليهم مفارقة الأوطان العزيزة، وهناك فريق آخر أبت عليه عزة الإسلام أن يعيش ذليلًا، أو متنصرًا، فترك البلاد وهاجر إلى مصر وبلاد الشام وبلاد عدوة المغرب، وقسم منهم ذهب مع الرحلات الاستكشافية إلى أمريكا الوسطى والجنوبية، ولم يكتف الملكان الإسبانيان بتنصير وتهجير الموريسكيين، بل لاحقاهم إلى دار هجرتهم وبخاصة بلاد المغرب العربى التى تعرضت مدنه- التى سكنها الموريسكيون- لغارات الإسبان البحرية.. وللحديث بقيه غدا إن شاء الله.