فى الأيام الأولى من شهر رمضان الكريم، حدثتنى تليفونياً صديقتى الجميلة والمذيعة المتميزة بإذاعة البرنامج العام، وطلبت منى أن أُعد للبرنامج كلمة أتحدث فيها عن مبادرة، ممكن أن تقوم بها الأسرة المصرية خلال الشهر الكريم، وفى الحقيقة لم يستغرق منى الموضوع تفكيراً طويلاً فأنا من المتابعين الجيدين للأحداث داخل دولتنا المصرية، وأشاهد وأشارك بالمبادرات التى تقوم بها مؤسسات الدولة بمختلف القطاعات، العام منها والخاص ومؤسسات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية، فكان استقبال شهر رمضان حافلاً بمبادرات الخير فى كل ربوع مصر، فأطلقت القيادة السياسية مبادرة كتف فى كتف التى اهتمت بشأن المواطن الأكثر احتياجاً والمتعفف عن السؤال، فكانت القوافل تذهب لأماكنهم وتهديهم بعض من السلع الغذائية لتساعدهم على العيش بحياة كريمة فى هذا الشهر الفضيل، وغيرها العديد من المبادرات، فلم يبدر بذهنى سوى مبادرة واحدة أراها هامة فى مجتمعنا المصرى الأصيل، بل أستطيع أن أقول إنها إحياء لتراث مصرى موروث داخل مجتعاتنا، وهى مبادرة "الحب والود والسؤال عن الجار" وأنا طفلة فى التسعينيات شاهدت جيراننا يتبادلون الزيارات والسؤال فى الفرح والحزن، بل وتبادل المأكولات، والأحاديث والجلسات العائلية بين أُسر العمارة الواحدة، ومشاركة الأفكار والخبرات، هذا الأمر لم يعد موجودا فى أيامنا الحالية، بل من الممكن أن تسكن فى بناية بها العديد من الطوابق ولبضع سنوات ولا أحد يعرف الآخر، أرى أن مبادرة إعادة الود بين الجيران هامة جداً لأسباب كثيرة، ذكرت بعضها سابقا، ومنذ أيام شاهدت على مواقع التواصل الاجتماعى زخم الاحتفاء بأطول مائدة أفطار ضمت تقريباً 5000 شخص ليشاركوا بعضهم البعض فى إفطار جماعى فى شهر رمضان الكريم، أرى أن هذا الأفطار المبهج له عدة رسائل.
"رسائل أجتماعية" أن يستطيع حى شعبى، أن يجمع كل هذا العدد بكل هذا الترتيب والإعداد الجيد والتنظيم، من استقبال المقبلين على المائدة، وإعداد وجبات متنوعة، والحفاظ على نشر مظاهر البهجة الخاصة برمضان، من زينة وأغانى رمضانية، دون ذكر عيب واحد لهذا التجمع الهائل بعد أنتهاء الإفطار ولا شكوى واحدة من أى مواطن حضر الإفطار، كانت هذه رسالة مجتمعية مصرية أصيلة بأن الود والحُب فينا وبداخلنا ونتمنى أن تأتى أى مناسبة لنُظهر ونتبادل هذا الحُب والود بيننا.
"رسائل سياسية" أن يرتبط تجمع سكان حى المطرية الأول على مائدة إفطار بعام 2013، ونحن نعلم جميعنا أن هذا العام كان عام الفصل بين ثورتين شعبيتين من أجل إنقاذ الدولة المصرية من أيادى سوداء، أرى أن هذا له علاقة بروح الحماس والانتماء لهذا الوطن العظيم، بعد أن تعلم الشعب المصرى فى التاريخ الحديث أن يجتمع بقوة من أجل الخير والبحث عن السلام والحرية والكرامة، فكانت 2013 منذ تسع سنوات بمثابة ضخ دماء جديدة لجموع الشعب المصرى تحتوى الفكر والتنظيم والتطلع للأفضل دُعمت بثورة شعبية فى 30 يونيو من نفس العام، وأن يستمر هذا الجمع حتى السنة التاسعة هو رسالة رضا سياسى وانتماء للوطن.
"رسائل أقتصادية" أن هذا الشعب العظيم يستطيع أن يتخطى كل الصعاب والأزمات، ولديه ثقة فى عطاء الله والمنح فى المحن، وإيمانة بأن العطاء به بركة ومضاعفة الجزاء، فهذا الإفطار الذى شمل نعم ليطيب شعور الحاضرين بلذة الإفطار، وأن يأتى الجميع من داخل الحى وخارجه، فهو مظهر من مظاهر التعاون والعطاء والتحدى لكل الظروف رغم الأزمة الأقتصادية، بأننا نستطيع المواجهة والتعاون لكى لا يشعر أحد مننا بهذه الأزمة.
"رسائل دبلوماسية" أن يبهرنا حضور سفير كوريا الجنوبية "هونغ جين ووك" بحضور هذا الأفطار بحى المطرية هذه المنطقة السكنية الشعبية "أهالى عزبة حمادة"، والذى صرح بأنه قبل الدعوة من أجل أن يعيش تجربة جديدة والإفطار بين عدد كبير من الناس، كانت رسالة قوية لفوز مصر دبلوماسياً فى غضون التسع 9 سنوات الماضية، بأنها دولة تسعى دائماً للسلام، وتمد يدها للجميع من أجل النهوض والتنمية، ورسالة أمنية قوية أن مصر تنعم بالأمن والأمان، فخورة بمصريتى.