تُعرف التنافسية، في الاقتصاد الوطني، بأنها الدرجة التي يستطيع البلد، في ظل أسواق حرة وعادلة، إنتاج السلع والخدمات التي تواجه أذواق الأسواق الدولية، وفي نفس الوقت المحافظة على توسيع الدخول الحقيقية لمواطنيها في المدى الطويل.
كما تُشير التنافسية إلى قدرة المؤسسة على صياغة وتطبيق الاستراتيجيات التي تجعلها في مركز أفضل بالنسبة للمؤسسات الأخرى العاملة في نفس النشاط وتحقق الميزة التنافسية من خلال الاستغلال الأفضل للإمكانيات والموارد الفنية والمادية والمالية والتنظيمية والمعلوماتية بالإضافة إلى القدرات والكفاءات وغيرها من الإمكانيات التي تتمتع بها المؤسسة والتي تمكنها من تصميم وتطبيق استراتيجياتها التنافسية ويرتبط تحقيق الميزة التنافسية ببعدين أساسيين هما: القيمة المدركة لدى العميل؛ وقدرة المؤسسة على تحقيق التميز.
ويتناول الهدف الثاني من رؤية مصر 2030 نمط الاقتصاد التنافسي والمتنوع؛ حيث تعمل الدولة المصرية على تحقيق نمو اقتصادي قائم على المعرفة، كما تساعد على تحقيق التحول الرقمي، ورفع درجة مرونة وتنافسية الاقتصاد، وزيادة معدلات التشغيل، وفرص العمل اللائق، وتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال، كما تسعى إلى تحقيق الشمول المالي وإدراج البعد البيئي والاجتماعي في التنمية الاقتصادية.
إن المقدرة على إنتاج المعرفة وتوظيفها لتصبح العامل الرئيس في التنمية بقطاعات الدولة؛ حيث تكسب الفرد القدرة على الابتكار وتوليد أفكار جديدة وترقى بمهاراته لأنه يمثل الثروة البشرية التي تعتمد بصورة رئيسة على تقنية المعلومات في تحقيق غايات المؤسسة؛ فيشير ذلك إلى الاقتصاد القائم على المعرفة.
ويعتمد الاقتصاد القائم على المعرفة على الإنفاق في المجال البحثي بغية التطوير، ويركز على تحويل الابتكارات لمنتجات ملموسة، ويهتم بالتدريب المستمر للعنصر البشري، ويوظف شبكة المعلومات الدولية في تسيير العملية الاقتصادية، ويؤكد على الميزة التنافسية فيما يقدمه من منتجات، ويلتزم بالتشريعات التي تحمي الملكية الفكرية، ويُسهم في تحرير التجارة لزيادة الصادرات، ويتوسع في إنشاء المراكز البحثية التقنية التي تساعد في عولمة الإنتاج، ويقدم الدعم اللوجستي للمؤسسات التعليمية، وبخاصة التقنية منها، ويحرص على تعضيد المنابر الإعلامية التي تنمي الوعي نحو ما تفرزه من إنتاج يتسم بالعالمية.
وحرصت الدولة المصرية على تجديد البنية التحتية التقنية لها في ربوع الوطن؛ إذ يُعد هذا الأمر مهمًا يقوم عليه تقدم الاقتصاد؛ فقد يصعب أن تدار المشروعات الاقتصادية بتنوعاتها بعيدًا عن البنية الأساسية التي تعمل على تحويل البيانات إلى معلومات تسهم في عملية الإنتاج؛ حيث تؤدي تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات دورًا رئيسًا في تدعيم اقتصاد المعرفة، وتسريع وتيرة الابتكار، وسرعة وتخفيض تكلفة نقل المعارف داخل القطر المصري من جهة وبين الدولة والعالم الخارجي من جهة أخرى، وما يحدث من نقلة نوعية بالجمهورية الجديدة يؤكد مدى التقدم الملموس نحو اقتصاد المعرفة.
وتشجع القيادة السياسية الواعية على تدعيم مقومات الاقتصاد القائم على المعرفة لدى أفراد المجتمع؛ حيث تهتم بإنشاء الكليات والمدارس التقنية؛ للمساهمة في إعداد أجيال تمتلك المهارات التقنية في عمليات الإنتاج؛ لتحدث طفرة في التطوير التقني، وتزيد من معدلات الإنتاج وفق الميزة التنافسية التي تقدمه بها على المدى القريب والبعيد، وتعزز المؤسسات التعليمية التقنية بما تمتلكه من مراكز تدريب متطورة وما تقدمه من طرائق فعالة في إكساب الخبرات التقنية للمتعلمين، وتشجع على الابتكار بصورة مستمرة عبر ما تقدمه من أنشطة تدريبية متواصلة، ويُعد ذلك مؤشرًا واضحًا للتقدم نحو اقتصاد المعرفة.
وتهتم الدولة بحاضنات الابتكار من خلال مؤسساتها المتخصصة، كونها متطلبًا رئيسًا للتقدم نحو الاقتصاد، وركيزة اعتمادها تقوم على البحث والتطوير بما يؤدي إلى اكتشاف وتطوير طرق جديدة في عملية الإنتاج، وكلما زاد من يمتلكون مهارات البحث والإنتاج، ساهم في تنمية الاستثمار البشري، الذي يساعد في النهوض نحو اقتصاد المعرفة.
وتتبنى الدولة إطارًا مؤسسيًا؛ إذ تدعم متطلبات اقتصاد المعرفة بسياسة تشريعية تحفز وتشجع على الاستثمار والإنتاج من خلال مشروعات تنال الإعفاء الضريبي والتسهيلات الإدارية والجمركية التي تساعد في استيراد التقنيات والآلات والمعدات اللازمة لهذه المشروعات بما يحفز إقبال الاستثمار الأجنبي بصورة مباشرة.
وعندما تحاول الشركات الصغيرة والمتوسطة أن تعمل على إيجاد مشاريع جديدة تُسهم في التنمية الاقتصادية تعتمد على الابتكار في منتجها؛ فإن ذلك يعبر عن ماهية ريادة الأعمال من حيث الحجم، وما تتبناه الشركات من أفكار تقوم على المخاطرة المحسوبة؛ لتصل من خلالها إلى تحقيق أهدافها؛ لذا تُشير ريادة الأعمال إلى المبادرة في تصميم وتنظيم المشروعات التي تتسم بالتفرد؛ بهدف سد الاحتياجات واكتشاف الفرص والعمل على استغلالها بغية تحقيق الربح وزيادة الانتاجية، بما يحقق النمو الاقتصادي الشامل بشتى القطاعات؛ لذا تحرص الدولة المصرية من خلال مؤسساتها على تنمية ريادة الأعمال بصورة إجرائية.
وبناءً على ما تقدم نجد أن ريادة الأعمال تضم منتجًا وأسلوبًا جديدًا، وتتطلب فتح أسواقٍ جديدة، كما تتطلب مصادر تمويل مستحدثة للموارد الخام أو قائمة بالفعل، وكذلك تنظيمًا يتسم بالجدة، وتحث ريادة الأعمال على اقتناص الفرص في ضوء المخاطرة المحسوبة؛ للوصول إلى الأهداف الآنية والمستقبلية.
ومساعي الجمهورية الجديدة في دعم ريادة الأعمال بدأت منذ أن أطلق السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة "رواد تكنولوجيا الاتصالات" وذلك عام 2015م؛ بهدف تمكين الشباب وذوي القدرات الخاصة للإفادة من أفكارهم، تلى ذلك مجموعة من الإجراءات التنفيذية لتحقيق أهداف ريادة الأعمال من مبادرات دعمتها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، كما تم إنشاء صندوق للاستثمار في ريادة الأعمال لدعم الشباب وتشجيع الاستثمار في التقنية والابتكار عام 2017م.
وسارعت الدولة المصرية إلى تجديد القطاعات الصناعية اعتمادًا على ريادة الأعمال؛ حيث فرضت اشتراطات تلبي الاحتياجات في عروض المنتجات والخدمات، وقدمت الدعم اللوجستي اللازم لعملية التحول نحو الريادة، وقدمت النماذج الداعمة التي تحفز رواد على الابتكار لإحداث نقلة نوعية بالاقتصاد؛ إذ تتسم مصر بالتنوع في الثروات الطبيعية التي تُعد دافعًا نحو اقتناص الفرص لتنافس على مستوى إقليمي وعالمي بما يحقق الرؤية التنموية الكاملة للجمهورية الجديدة.
وتؤدي ريادة الأعمال دورًا مهمًا في الاقتصاد التنافسي؛ حيث تُسهم في تشكيل المشهد الاقتصادي للدولة المصرية بصورة مباشرة؛ لأنها تعتبر المحرك الأول للنمو الاقتصادي، كما تساعد في حفز وتعزيز الأنشطة الإنتاجية في كافة القطاعات والمجالات الاقتصادية؛ لتؤثر مباشرة على الأسواق المحلية والعالمية، وفي هذا الخضم يزيد الطموح لدى رواد الأعمال بما يعمل على زيادة جودة ريادة الأعمال وخاصة الرقمية منها لتشمل سائر الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتحقق التطوير المستمر للشركات عبر نظام أيكولوجي داعم للريادة التنافسية.
ويكمن السر وراء اهتمام الدولة بريادة الأعمال في إيجاد فرص عمل تتسم بالجديدة من خلال العروض الرائدة التي يقدمها الرواد، ومن ثم يحدث تنامي في الاقتصاد وتطور في الأداء التقني على وجه الخصوص بما يلبي احتياجات المستهلك، كما تضيف ريادة الأعمال إلى الدخل القومي بتوالد الحرف الجديدة، وإتاحة المنتجات والتقنيات المطورة لإيجاد أسواق جديدة تحقق أرباحًا تُحسن من الدخل القومي، ما ينعكس إيجابيًا على زيادة واردات الدولة، والتي تصب في مصلحة القطاعات الخدمية بالدولة، وهذا ما يساعد في التغيير الاجتماعي نحو الأفضل؛ حيث تحسين الحياة الاجتماعية وزيادة الروح المعنوية، وتحقيق الحرية الاقتصادية عبر عرض السلع والخدمات الجديدة.
إن إقبال الدولة على الاقتصاد التنافسي والتي أشارت إليه صراحة في رؤيتها (2030) يعود لأسباب داعمة، يأتي في مقدمتها الموقع الجغرافي الذي تتميز به البلاد، وتوافر رأس المال البشري الريادي، وتحركها نحو بناء البنية التحتية التي تسمح بإقامة المشروعات بتنوعاتها، وامتلاكها لمجموعة التشريعات الداعمة للاستثمار؛ بالإضافة لتوافر الأمن والأمان الذي يسهم في استضافة الشركات الكبرى والمتوسطة والصغيرة ومتعددة الجنسيات على أرض المحروسة.
حفظ الله بلادنا ووفق قيادتها السياسية لما فيه الخير نحو مستقبل زاهر.