التواصل ملكة من أصعب القدرات والمهارات التى يسعى أن يحوزها الإنسان، لأنه بدونها يصبح أسيرًا للعزلة، بعيدًا عن مجتمعه عاجزًا عن صنع العلاقات الاجتماعية بمختلف أنواعها، ولذلك فإن كانت مهارة التواصل هامة للإنسان عامة، إلا أنها تصبح ضرورة حتمية لصاحب العلم، خاصة إذا كان معنى بتوصيل علمه للطلاب بمختلف المراحل الدراسية.
فكم من صاحب علم متمكن فيه ومبحر فى علومه، ولكنه يعجز عن نشر معارفه، بسبب افتقاده لمهارة التواصل لأنه لا يمتلك الشفرة التى تمكنه من اختراق القلوب أولا قبل العقول للتأثير فى المتلقى.
والحقيقة أن مهارة التواصل من أصعب الملكات التى يمكن أن يحوزها صاحب العلم، فهى موهبة بالأساس قبل أن تكون مهارة مكتسبة.
والمقصود بمهارة التواصل هى استطاعة المرسل التأثير فى المتلقي وجذب انتباهه لضمان توصيل ما يريد على الوجه الأمثل.
فالمعلم تكون أسمى غايته من تحقيق التواصل بينه وبين طلابه، هو توصيل المعلومة بشكل سلس، مع الحرص على تفاعلهم وعدم تشتتهم وهى عملية بالغة التعقيد ومهارة خاصة لا يمتلكها الكثيرون، وتتطلب قدرا من الإبداع والخيال وهذان المصطلحان قد يكونان هما الخليط المكون للوصفة السحرية التى تم الاعتماد عليها فى ذلك الصرح الثقافى "أكاديمية الفنون".
تلك البؤرة المشعة علما،وثقافة، ونورا يضىء، ويعمل على احتضان الموهوبين وهم براعم صغيرة وأمدادهم بكل المعارف اللازمة والتدريبات الواجبة ليسيروا على نهج أسلافهم فى نشر الإبداع والفن الراقى ليس فى مصر فقط بل فى المنطقة ومحيطها الأقليمي.
وإن كان الأمر هناك فى أكاديمية الفنون يسير بشكل نمطى وقاعدة عامة، وهى التيسير على الطلاب ومحاولة تبسيط المناهج، والعمل على نقل العلوم المختلفة بشكل محبب لهم، وبذل كل جهد من جانب المعلمين دون إخلال أو تفريط فى المادة العلمية، إلا إنه يصبح حالة خاصة تستحق التوقف عندها فى تعامل هيئة التدريس بمختلف مراحلها مع أبنائنا من ذوى القدرات الخاصة.
عملت أكاديمية الفنون على إتاحة الالتحاق بها لأحبائنا من ذوى القدرات الخاصة عبر الدراسة الحرة من خلال تجهيز فصول دراسية متكاملة يقوم عليها أعضاء هيئة التدريس بالأكاديمية.
وفى الحقيقة كنت أود فى الاستطراد والحديث على تلك التجربة الخلاقة وآلية التدريس بها داخل معاهد الأكاديمية المختلفة، ولكنى سأقصر الحديث هنا على المعايشة الكاملة التى قمت بها وتم نشرها على صفحات وقناة انفراد بمشاركة زميلتى "رحمة خليفة" فى رصد التدريبات والبروفات ومعرفة شروط الالتحاق وآلية التحاق أحبائنا من ذوى القدرات الخاصة بهذه الدراسة الحرة بعد اجتياز بعض الأختبارات البدنية والطبية من خلال خبراء وأطباء على أعلى مستوى لضمان الحيادية وانتقاء العناصر المستوفية للشروط البدنية والصحية.
وقد يكون ذلك من عوامل الإنبهار والتميز داخل أكاديمية الفنون أو أحد عوامل الإبداع القائم على استدعاء الخيال، والإتيان بحلول ابتكارية غير تقليدية للتعامل بها وتصبح هى الآلية المعتمدة داخل أكاديمية الفنون فكل ما بها ينطق بالإبداع وهو ما يتمثل فى معاملة هيئات التدريس مع ابناؤنا من ذوى "القدرات الخاصة" أو "أصحاب القدرات الخلاقة" قل ما شئت فهم يستحقون هذه التوصيفات بعد برهانهم على حقيقة كيف يمكن للفن الراقى أن يتواصل ويؤثر فى تلك الأرواح الشفافة والوجوه الملائكية من متلازمة الحب "داوون" أو التوحد، وغيرها ويرسم على شفاههم البسمة والسعادة، كيف يؤدون تلك الرقصات التى يتم تصنيفها على أنها من أيقونات المسرح العالمى فى الباليه ومنها "مثل كسارة البندق، وبحيرة البجع" وغيرها والتى تتطلب مجهودا شاقا ولياقة عالية وذهنا متقدا بكل يسر وسهولة.
ومن جانب الإبداع أيضا أن إتاحت أكاديمية الفنون ممارسة تلك الفنون الراقية لذوى القدرات الخاصة، تساعدهم بشكل كبير على اكتساب الثقة والتعامل باستقلالية والإندماج بكل سهولة مع المجتمع من خلال العمل على تقديمهم بشكل محبب للجمهور من خلال عروض فنية، وفيها يعمل هؤلاء الأحبة على تقديم عروضم بشكل احترافى خلاب يؤثر قلوب المشاهدين والحضور لتلك العروض قبل العقول بأدائهم الراقى الأحترافى.
وبالطبع تنعكس تلك الحالة على أسرهم وهم يشاهدون أولادهم يتلقون الإعجاب ويشار إليهم بالبنان فيشعرهم ذلك بالفخر بأبنائهم.
ولاشك أن ذلك يقف خلفه كتيبة مؤمنة بالرسالة التى تعمل من أجلها، وتسعى فى دأب لتحقيق الهدف السامى وهو استخدام تلك الفنون لمساعدة تلك الملائكة من ذوى القدرات الخاصة للتغلب على بعض الصعوبات الحركية والذهنية وتطويع أجسادهم لرسم لوحات فنية بديعة عبر تفجير طاقاتهم الإبداعية والخلاقة. ولم يكن الأمر هينا إنما اتى بعد أداء سلسلة من التمارين المختلفة بمنتهى الجدية والانضباط.
وهو ما يؤكد مقولة أن الفن الراقى قادر على تخطى كل الحواجز والعوائق مهما كانت صعوبتها، ودحر كل الآراء التى تشير إلى صعوبة إدماج أبنائنا من ذوى القدرات الخاصة فى بعض المعارف.
والحقيقة إنه قد تصدق هذه التقارير فى بعض العلوم الجامدة القائمة على الحفظ والتلقين ولكن هذه التقارير تقف عاجزة مكتوفة الأيدى منبهرة بمستوى هؤلاء الأحبة عند مشاهدتهم فى التدريبات التى يؤدونها بمنتهى الجدية والانضباط، وفى الوقت نفسه، بمستوى احترافى ومهارى يسرق الأنظار وتخفق معه القلوب، والتى تستحق تحية خالصة وواجبة لكل القائمين على ذلك ومنهم الدكتور محمود صلاح مدير مدرسة الباليه، والدكتور حسن محمود القائم على فصول ذوى القدرات الخاصة، والدكتور عاطف عوض رئيس المعهد العالى للباليه، وعلى رأسهم الدكتورة غادة جبارة رئيس أكاديمية الفنون أحد أعمدة مصر الثقافية والحضارية وذراع قوى وسند أصيل لقوتها الناعمة.