قدِم العيد وماتت أمى، ولا أتصور يوما أن هذا سيأتى رغم إيمانى الكامل بأن الموت حق علينا جميعا، ففى الأمس القريب كنت أعيش في عالمين، عالمى الأول حيث العمل والجد والكد والطموح والأمل، وعالمى الثانى هو عالم أمى، حيث الدفء والاحتواء والدعاء والأمان والراحة، وأتذكر رفع يديها يوميا مُتضرعة إلى الله بدءا من مطلع الفجر حتى شروق الشمس وهى تدعو لنا بالستر والحفظ والتوفيق والرزق والوفاق والوئام.
وها أنا اليوم أفقد عالم أمى وقد تغير كل شئ بعد رحيلها، لتصبح تفاصيل الحياة لا معنى لها، فلم يعد هناك من ينتظرنى كما كانت تنتظر، ولا من يسأل عني كما كانت تسأل، وليس لديّ إلا شعور الندم على كل ثانية مرت في حياتي ولم أستغلها في التعبير عن حبى لها، والجلوس بين يديها وتحت قدميها، ونادم على كل عناق أجلته لسبب أو لأخر، وعلى كل كلمة لم تقال تعبيرا عن مكانتها في حياتي.
لذا، أدعو كل من أحب أو يقرأ مقالى هذا أن يعى أهمية الدرس الذى استخلصته بعد مرارة الفقد وقسوة الوجع بعد رحيل أمى، أن تأجيل مشاعر الحب والامتننان للأهل قد يكون تأجيلا للأبد، فاحرص على اغتنامها، واعلم أن طعم الحياة لا تكتمل إلا بوجود الأم.
فهذه ثانى ليلة لعيد فطر بدون أمي يعلم الله أنى لا أشعر برائحته ولا بريقه فلا جبين أقبله ولا كف ألمسه ولا ابتسامة تضيئ وجهى فقد غابت مسرات اليوم بعد أن مات وجه الرضا فلم أرى أحد ولم أسمع صوتا بعد أن حُرمت من دعاء كان سر قوتى ومن قُبلة تُشرق شمس حياتى، لكن لا أملك إلا أرسل إليكِ يا أماه سلامى بعد أن غبتي عني تحت التراب، وأدعو الله أن تكوني في مقام خيرًا من مقامنا ويكون عيدك في الجنة بإذن الله.
وختاما.. أدعوكم أن تدعو معى "اللهم أرحم تلك النفس الطيبة التى فارقت الدنيا وانتقلت إلى جوارك.. اللهم اجعلها في الفردوس الأعلى من الجنة واجعل اللهم قبرها روضة من رياض الجنة".