بطولات كبيرة، يقدمها رجال الدبلوماسية المصرية، فى مختلف المحافل، وربما فى كل دول العالم، ولكنها ربما تبقى في جزء كبير منها "تحت الظل"، لتأتى الأوضاع الأخيرة فى السودان، والإنجاز الذي يتحقق يوميا في إجلاء مئات المصريين، لتكون كاشفة، إلى حد كبير، عن مقدار الجهد الذي تبذله وزارة الخارجية وسفاراتها ورجالها، والذين لا يقتصر دورهم، كما يظن البعض على الطبيعة الرسمية، وإنما يبقى إضفاء غطاء الحماية على المواطنين بالخارج، بمثابة أحد أهم أركان عملهم، بينما جاء نبأ استشهاد مساعد الملحق الإداري بالسفارة المصرية في الخرطوم محمد الغراوي، ليكون دليلا دامغا، مصبوغا بدمائه الذكية، على الدور البطولي الذي يلعبه رجال الدبلوماسية المصرية.
ولعل المشهد الأخير يجسد في جوهره الدور الكبير الذي تلعبه المؤسسة الدبلوماسية، باعتبارها أحد أهم أجنحة الدولة، والتي تقوم بدور مكمل للمؤسسات الأخرى، وعلى رأسها القوات المسلحة، والمنوطة بحماية الأرض، والشرطة، والتي يقع على عاتقها حماية المواطن وأملاكه في الداخل، في حين تقع المسؤولية على الدبلوماسي الذي يعمل خارج الحدود، لتقديم غطاء الحماية للمواطن الذي آثر حياة الاغتراب سعيا وراء لقمة عيشه، وهو ما يتجلى بوضوح خلال الأوضاع الحالية التي تشهدها السودان، وحرص الدولة المصرية على إجلاء مواطنيها إلى مناطق آمنة لحماية حياتهم، من أية مخاطر، جراء الصراع الراهن، وهو ما يعكس أحد ملامح العمل الدبلوماسي، والقائم في الأساس على خدمة المواطن، إلى جانب أدوار أخرى بالطبع، أهمها تقديم رؤية الدولة تجاه كافة القضايا المثارة، والدفاع عنها في كافة المحافل الدولية والإقليمية.
وفى الواقع، تبدو الدبلوماسية مرتبطة في ذهن الكثيرين بالطابع الرسمي للعلاقات بين الدول، في إطار ما يظهر على الشاشات من لقاءات مع المسؤولين الأجانب، والمشاركة في المحافل الدولية، وإلقاء الخطابات، وإصدار البيانات حول قضايا معينة، إلا أن ثمة جانبا لا يظهر كثيرا للعلن، يعتمد في الأساس على العلاقة بين المؤسسة والمواطن، في مختلف دول العالم، عبر تقديم أقصى درجات الدعم والحماية له في مواجهة ما يطرأ عليه، سواء بصورة شخصية فردية، أو على المستوى العام، كما هو الحال في الأوضاع الراهنة في دولة السودان الشقيقة، وهو ما يعكس أن المؤسسة الدبلوماسية، باعتبارها جزءا من الدولة، تمثل امتدادا مهما للمؤسسات الأخرى، والتي تضع المواطن كأولوية قصوى لها.
وإذا نظرنا إلى الجانب المنظور من العمل الدبلوماسي، على النحو سالف الذكر، نجد أن الهدف والمستهدف هو المواطن نفسه، سواء عبر تعزيز العلاقات مع الدول الأخرى، في مختلف المجالات، منها ما هو أمني أو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي أو استثماري، أو غير ذلك، تصب بالفائدة في نهاية المطاف على مصلحة المواطن، بل من شأنها كذلك تعزيز العلاقات بين الشعوب، مما يساهم في حالة من الإثراء المجتمعي المتبادل.
ويعد استشهاد مساعد الملحق الإدارى بالسفارة المصرية بالخرطوم، الشهيد محمد الغراوى بمثابة رسالة جديدة حول التضحيات الكبيرة التي يقدمها رجال الدبلوماسية المصرية، وبطولاتهم، والتي ربما لا نعلم الكثير عنها، بحكم طبيعة عملهم، والتي تبقى الكثير من تفاصيلها غير معروفة للكثيرين، وهو ما يتطلب المزيد الدعم لهؤلاء الرجال الذين يبذلون كل ما هو نفيس في سبيل رفعة وطنهم، والدفاع عن مواقفه، وحماية مواطنيه.. رحم الله الشهيد البطل الذى ذكرنا جميعا أنه الدبلوماسية المصرية لها شهداء يستحقون المجد والخلود في ذاكرتنا.