الأيام القليلة الماضية شهدت تجسيدا لصورة فريدة من نوعها، لنجاحات الدولة المصرية في إدارة الازمات، وخاصة الطارئة.
هذه الصورة - في اعتقادي - تمثل اختبارا أو تحديا مع النفس، بدأت تتضح معالمها مع بوادر الأزمة الداخلية في السودان الشقيق، وانعكاسه بالطبع على مصر، التي يمثل السودان لها بعدا مهما من أبعاد الأمن القومي، كما أنها الدولة، التي عاشت في ترابط مع مصر عبر آلاف السنين في إطار وحدة وادي النيل.
هناك ملامح محددة لهذه الصورة، تجلت في حرص الدولة المصرية على ابنائها المتواجدين بالسودان في كافة مناطق النزاع والتوتر.
هذا الملمح من الصورة - على وجه التحديد- أعتبره أهم ما تحقق خلال السنوات القليلة الماضية. ففي عهود سابقة - للأسف العميق - لم يكن مبدأ حماية الرعايا المصريين في أولويات الإدارة المصرية، وهو شيء محزن ومؤسف ومثل مرارة لكل المصريين، وقت تعرض أبنائهم لأزمات خارج الاراضي الوطنية.
الملمح الثاني هو المتابعة الشخصية من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية لعمليات إجلاء المصريين من مناطق النزاع السودان، وهي صورة تعكس احترام آدمية المواطن المصري في اي مكان، وتحت أية ظروف.
في صورة رائعة تابعها العالم عبر شاشات الفضائيات المصرية والعربية وصلت الطائرات التي تقل الرعايا المصريين تباعا، وهي صورة تعكس جاهزية الدولة المصرية، وقدرتها على التعامل مع الملفات الحرجة بوجه عام، والأزمات الطارئة على وجه الخصوص.
هذه الصورة الفريدة، كانت وراءها مجموعات تتحرك في كل مكان لتنفيذ الهدف، سواء في وزارتي الخارجية أو الدفاع أو جهاز المخابرات العامة المصرية.
هذا التناغم وهذه الحيوية في التنفيذ، قدمت لنا الصورة التي تابعناها جميعا عبر شاشات الفضائيات - ونفتخر بها- والتي تمثلت في وصول الطائرات المصرية في نفس التوقيت الذي فتح فيه معبر ارقين الحدودي، لاستقبال حافلات نقل الركاب من المدن السودانية المختلفة، ومن مواقع التوتر.
ويحسب للدولة المصرية، أنها في خلال سنوات قليلة استطاعت أن تعيد هيبة المصريين خارج الأراضي الوطنية، وهو ما تمثل في التدخل لحمايتهم في أي مكان، ومهما كانت الظروف، وربما تمثل ذلك في إجلاء عدد من المصريين من مناطق التوتر في عدد من الدول.
هذه الصورة - بالطبع- جاءت متوازنة مع خطاب مصري محدد الأهداف يتعامل بواقعية مع المعطيات ووفق الإمكانات المتاحة، والدور المحوري الكبير لمصر وقوتها في المنطقة، وقدرتها على التدخل في الوقت المناسب. تمثل هذا الخطاب في تصريحات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي أدلى بها خلال الاجتماع الطارئ للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والتي كانت حاسمة وواضحة، خاصة حينما تحدث عن ان ما يحدث في السودان هو شان داخلي، ولا ينبغي التدخل فيه حتى لا يحدث أي نوع من تأجيج الصراع.
وانطلاقا من الدور التاريخي لمصر وعلاقتها الأبدية مع السودان، فقد حدد الرئيس عدة نقاط منها أن الدور، الذي يمكن أن تلعبه مصر، هو إحداث هدوء في الموقف واستعادة أمن السودان والاستقرار بين الفرقاء، وأنه ليس من مصلحة السودان أبدا ولا استقراره، أن يكون هناك اقتتال داخلي، وأن المهم هو الجلوس على طاولة المفاوضات.
هذه الصورة لم تكن تتم وتتجسد هذه الدقه إلا بوجود تخطيط على مستوى عال وحرفية في التنفيذ.
هذه الصورة، هي تجسيد لمصر ما بعد 30 يونيو..
هذه الصورة ترسم ملامح المستقبل.
[email protected]