لم أكن أتصور أبداً أن أمر بتجربة إخفاء أو شفط "كرشي"، حتى تظهر الصورة مقبولة ولائقة، خاصة في فصل الصيف والملابس التي تنكشف معها كل جرائم النظام الغذائي الخاطئ، مع العلم أني لسنوات طويلة من العمر بداية من الطفولة حتى المراهقة ومقتبل الشباب، كنت أعاني من نحافة واضحة، فمازلت أذكر وزني في الصف الثالث الإعدادي - 30 كجم - وهو تقريبا وزن طفل طبيعي في السابعة أو الثامنة على الأكثر، لدرجة أنني كنت أري أضلاع قفصي الصدري وأمرر أصابعي أعلاها، بل إن سلسلة ظهري "العمود الفقري" يمكن لضعيف البصر أن يعد فقراتها على بعد أمتار، ولم يختلف الأمر كثيراً في مرحلة الجامعة، فقد ظل وزني ثابتاً عند 55 كجم.
ذات مرة ذهبت إلى مستشفى قصر العيني بمهمة عمل صحفية في مقتبل عملي، وصادفت طبيباً كان أحد أطراف الموضوع، وأصر أن يجري لي بعض التحاليل الخاصة بالهرمون المنبه للغدة الدرقية، حتى يعرف إن كانت نحافتي لسبب هرموني أم لا، لكني رفضت، فلم أكن أشعر أني مختلفاً، بل كانت النحافة تعطيني ميزة نسبية دائماً في معدلات النشاط والحركة، إلا أن كل ما سبق تغير تماماً خلال الـ 10 سنوات الأخيرة، أو بطريقة أدق منذ زواجي في عام 2012، فبدأ وزني في الزيادة وتحرك بسرعة الصاروخ حتى صرت 88 كجم.
بالطبع الزواج ليس له علاقة مباشرة بزيادة الوزن، وإلا سيصبح هذا المقال آخر ما أكتبه في عالم الصحافة، لكن النظام الغذائي الخاطئ القائم على الدهون المرتفعة والسعرات الحرارية العالية هو السبب الأساسي في زيادة الوزن، فلا تنتظر من رجل كان إفطاره الصباحي طبق فول وآخر بيض وثالث باذنجان ورابع طعمية، مع 5 أرغفة من الخبز البلدي، أن يصبح رشيقاً أو يستمر على نحافته الأولى، لذلك أتت السمنة محملة بسعرات الدقيق، وذرات الصوديوم، وحبات السكر، وجاء معها الكولستيرول ودهون الكبد وارتفاع ضغط الدم.
أمراض السمنة ليست بالضرورة مرتبطة بالأشخاص الذين لا يمكنهم مغادرة الفراش، أو من يعانون مشكلات في المشي والحركة، لكن كل كيلو جرام زيادة عن الوزن المعتاد قد يصحب معه أمراض ومشكلات صحية حسب طبيعة كل جسم، لذلك عليك أن تختبر نفسك وتجرب ماذا حدث لعظامك وأوتارك وظهرك ورقبتك بفعل زيادة الوزن، بل ما جرى ليديك وأصابعك وذراعيك من التنميل البسيط إلى الوجع المتصل، خاصة في فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، مع أولئك الذين اقتربت أعمارهم من الأربعين، أو ربما أقل من ذلك قليلاً، والسبب المباشر غياب النمط الغذائي الصحي، وعادات الطعام البائسة، التي اعتدناها وصارت جزءً من حياتنا اليومية.
أكتب لك هذه الكلمات وقد حققت تقريباً الوزن المثالي المناسب لمستوى الطول وطبيعة الجسم، في أقل من 3 أشهر، وفق نظام غذائي منخفض السعرات الحرارية، لكن سبق هذه المرحلة عدة أشهر من المعاناة مع ضغط الدم المرتفع، نتيجة السمنة الزائدة ودهون الدم ومعدلات الكولستيرول، التي بدأت تتراكم يوماً بعد الآخر وأثرت على صحة القلب والأوعية الدموية، لذلك سأروي تفاصيل هذه التجربة وإن كانت شخصية، لعلها تحفز القراء والأصدقاء على اتباع نظام غذائي سليم، يحافظ على صحتهم ويحميهم مبكراً من الأمراض المزمنة.
قبل نحو عامين ونصف مررت بتجربة مرض الضغط، وكانت أهم توصيات الطبيب أن أتبع نظام غذائي صحي، وأقلل وزني بصورة تتناسب مع احتياجات الجسم، أو البديل تناول حبة واحدة عبارة عن 5 مجم من مادة النيبيفيلول، وقد اخترت الحل الأسهل من وجهة نظري، وهو تلك الحبات الصغيرة، التي ظلت تحافظ على الضغط عند معدلات منتظمة حتى مطلع العام الجاري، إلا أن الدواء فجأة ودون مقدمات لم يعد يقدم حلولاً مع رجل يأكل 8 أرغفة من الخبز يومياً، بالإضافة إلى دهون وطعام مرتفع السعرات الحرارية، ولا يمارس الرياضة، ويجلس على كرسي مكتبه حوالي 8 ساعات.
توجهت إلى الطبيب لإجراء الفحوصات اللازمة، ولحسن الحظ صادفت الدكتور سليمان بلال، مدرس بقسم القلب، كلية طب قصر العيني، في أحد المستشفيات، وعلى الرغم من عدم وجود سابق معرفة بيننا، إلا أنني شعرت بالراحة وكأننا أصدقاء منذ سنوات، وإضافة إلى علمه واجتهاده، يحاول إحاطة المريض بكل المعلومات والتفاصيل الخاصة بحالته، وهذا أمر أتصور أنه في غاية الأهمية، فعندما يتحول المريض إلى شريك في العلاج تصبح النتائج أفضل.
"العلاج بتغيير النظام الغذائي وإنقاص الوزن، ثم نقرر بعد ذلك الاستمرار في الأدوية من عدمه"، كانت هذه النصيحة الأولى للدكتور سليمان، وهنا راودتني الفكرة، وقلت لنفسي لماذا لا أعود لسيرتي الأولى، وأستعيد رشاقتي التي أفتقدها عند التقاط كل صورة جديدة، وعقدت النية وبالفعل بدأت في نظام غذائي صارم منخفض السعرات الحرارية، وقررت إلى غير رجعة ترك أرغفة الخبز وعربة الفول، وأتحول إلى مواطن طبيعي وجبة إفطاره ليست أكثر من بيضه مسلوقة ونصف رغيف من الخبز.
مع فقدان أول خمسة كيلوجرامات من الوزن، بدأت أشعر بانتظام الضغط بالتزامن مع الالتزام بخطة العلاج، وصارت لياقتي أفضل ومستوى التنفس عند صعود السلم أفضل، وتحسنت هذه المؤشرات باستمرار كلما تخلصت من الدهون التي طالما أرهقت كل الأجهزة الحيوية في الجسم، بداية من الكبد والقلب حتى الأطراف والجهاز العصبي، ووصلت إلى المعدل المثالي أو الطبيعي بالنسبة للوزن، بخسارة حوالي 11 كجم من وزني، في أقل من ثلاثة أشهر، وأنتظر زيارة الطبيب في الأيام المقبلة لإعادة الفحوصات والتحاليل مرة أخرى، لنعرف المستويات التي وصل لها الكولستيرول والدهون الثلاثية، لذلك في مقال الغد سوف أقدم للقارئ العزيز وزملائي وأصدقائي الروشتة الناجحة لخسارة الوزن الزائد في فترة معقولة وجهد مقبول ونتائج عملية على أرض الواقع.