رحل عن عالمنا اليوم الفنان مصطفى درويش، الأمر الذي قوبل في الوسط الصحفي والإعلامي قبل الفني بالصدمة، حيث إنه كان مقربًا من الجميع، فنان روحيًا وإنسانيًا بالدرجة الأولى، فحالفتني الصدفة بأن كان لي حديث معه خاص بأحد أعماله التي نجحت، وجه شاب غير مألوف لكنه قريب من وجوه كثيرة نقابلها، له طموح وأمل وسعي لا يمل منه، روحه المرحة وتفاعله المستمر الذي كان بجانب الخير الذي يقدمه لكنه كان يحمل في طياته ألم الوحدة الذي تحدث عنها في الكثير من منشوراته، وهجر النوم له الذي قد أفسره بشعوره بقرب أجله أم طمعًا في ساعات إضافية في الدنيا.
معاملته للجميع بلياقة ولباقة أيًا كان من هم، ومساعدة المحتاجين من خلال التطوع في أعمال خيرية بشكل عرفه البعض بشكل مباشر والآخر كان في الخفاء، جعل خبر وفاة فاجعة تسبب لنا في ألم كبير، أبدع في أدوار الشر ولكن المعروف أن أبطال الأعمال الفنية الأشرار غالبيتهم هم الأكثر طيبة على الأطلاق، وكم كان لطيفًا مع الجميع.
لماذا يتركنا الأنقياء؟ سؤال يتبادر لذهني كلما فارقنا عزيز، كلما ذهب بأثره وقدرته على إحداث فارق، نرى الناس كلها أنقياء بما نراه منهم، ولم أرَ منه إلا كل احترام وتقدير ووفاء.
أهو الحزن أم الاكتئاب أم قضاء الله وقدره؟ أيقدر الحزن على هزيمة عزيمة أقوى الرجال؟ من منا لم يحزن؟ ومن منا لم تغالبه أحزانه في أوقات كثيرة، ولكننا نتغلب عليها بالعمل والأصدقاء والتغيير، لا أعرف التفسير الطبي ولن أتدخل في سياق الأحداث، ولكن وأعتقد أن الحزن كفيل بهزيمة أقوى الرجال وأشدهم بأسًا، الأمر الذي جعل أمر الله نافذًا، فخيرنا من يرحل مبكرًا تاركًا أثرًا طيبًا في قلوب من ساعدهم.
وعلى الرغم من أعماله التي تتجاوز الثلاثين عملاً، وبضعة يمكن أن يعدوا على اصابع اليد الذين اثاروا صدى لموهبته الفنية، إلا أنه استطاع التأثير في الجمهور، التأثير اللإيجابي بخلق حالة كراهية للشخصية نفسها سبب براعته في تجسيدها، والذي اقترن مع شخصيته الحقيقة في عقلية المشاهد لأعماله، حتى كاد البعض إلا يفصلوا ما بين شخصياته الفنية وشخصيته في الواقع.
لم يكن بعيدًا عن جمهوره، كان يتفاعل معهم، لم يكن يسكن قصرًا عاجيًا يخاطب الجماهير من أعلاه، بل كان منهم وإليهم ومعهم، يحاول البحث عما يقربه أكثر منهم ويبحث عما يستهواهم.
فارقنا في غفلة، لا أدري غفلة مننا أم غفلة علينا، رحل ولكنه ترك أثر، أثرًا لا يزول برحيله، أثرًا ترك علامة في أوساط عديدة، في الوسط الفني كفنان صاحب منهج حياتي يدرس ويتبع من الطموح والتقرب من الخير مهما ربنا أعطاه، منهجه مع الصحفيين والإعلاميين من خلال لغة الحوار والصراحة والاحترام، أثرًا مع جمهوره الذي يضعه نصب عينيه أولاً في اختيار اعماله، أثرًا مع المشاهد العادي، في احترام عقليه واحترام اختياراته بالرغم من اختلاف وجهات النظر.
رحلت يا مصطفى مبكرًا وكنا ننتظر منك المزيد، رحلت بلا أي مقدمات، رحلت من عالمنا ولكنك لم ولن ترحل أثرًا لا يزول بزوال صاحبه.. رحمك الله يا مصطفى.