يتمثل الهدف السادس من رؤية مصر 2030 في حوكمة مؤسسات الدولة والمجتمع؛ إذ تشير إلى أن حوكمة مؤسسات الدولة والمجتمع تحقق الكفاءة والفاعلية لأجهزة الدولة الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني؛ لذا فرؤية مصر للمستقبل تضع الحوكمة والالتزام بالقوانين والقواعد والإجراءات في ظل سيادة القانون وإطار مؤسسي ضرورة لتحقيق الشفافية والمساءلة ومحاربة الفساد.
وتشير حوكمة المؤسسات إلى النظام الذي يتم من خلاله إدارة المؤسسات والتحكم في أعمالها، وتوصف بمجموعة الإجراءات التي تتبع لضبط وتنظيم العلاقات داخل المؤسسات وفيما بينها وإدارتها بغية تحقيق كفاءة الأداء والفعالية، وبواسطتها يتم حفظ الحقوق والتمكين من الرقابة وتقييم مستويات الأداء بالمؤسسات، ومن ثم يمكن القول بأن الحوكمة في ماهيتها تعني مجموعة القواعد التي يتم من خلالها تطبيق القوانين التي تنفذ قوة لمجموعة معينة، وفيها تتصرف الحكومة لصالح الأفراد، ينتج عنها إتاحة المشاركة في صنع القرارات بشفافية مطلقة.
وتعد الحوكمة أداة فعالة في مواجهة الفساد الإداري والمالي؛ فبواسطتها تتحقق الرعاية والصيانة المستمرة لأوضاع المؤسسة، ومن خلالها يتم الحصول على المعلومات والبيانات في صورتها الصحيحة، وتوفر نظم المراقبة المحاسبية والمالية وتعمل على تحقيق رؤية المؤسسة المستقبلية بدفعها لتحقيق غاياتها، وإذا ما كانت المؤسسة اقتصادية فإن الحوكمة تساعد على جذب الاستثمارات إليها؛ حيث تدعم مركزها التنافسي بين المؤسسات بكسب الثقة للعملاء، وتجنب الحوكمة المؤسسات الانزلاق في مشكلات مالية ومحاسبية بما يضمن استقرارها وسعيها نحو المنافسة، وصلابتها في تحمل الصدمات أو مواجهة التغيرات والتحديات الطارئة.
وتستهدف الدولة المصرية من حوكمة المؤسسات الإصلاح الإداري، والذي يعني به أنه عملية تغييرات في الهياكل أو الإجراءات الإدارية ضمن الخدمات العامة عندما تصبح هذه الخدمات غير متوافقة مع البيئة الاجتماعية والسياسية، ومن ثم يشير إلى مجموعة الجهود السياسية والإدارية الهادفة لدفع عجلة النمو والتنمية عبر إصلاح أماكن الخلل في عمل الأجهزة الحكومية والإدارية لزيادة كفاءتها وفعاليتها.
وثمت علاقة ارتباطية بين الأخلاقيات المهنية ونجاح الحوكمة؛ فعندما يكون هنالك مسئولية ومساءلة وشفافية ونزاهة في بيئة العمل فإن جميع الممارسات التي تتمخض عن الحوكمة تحقق الهدف منها؛ فرؤية المؤسسات تقوم في الأصل على توافر موارد بشرية تتصف بالنزاهة وتحمل المسئولية، وتحرص على محاربة الفساد المالي والإداري، وتعمل على تقييم الأداء بصورة مستمرة.
وحري بالذكر أن للحوكمة مبادئ رئيسة تتمثل في الشفافية وتكمن في تطابق المعلومات الصادرة عن المؤسسة مع المعلومات الحقيقة على أرض الواقع، والمشاركة ويعني بها إتاحة الفرصة لأصحاب المصلحة بمشاركة المؤسسة في اتخاذ القرار وإبداء الرأي في الشئون الداخلية والخارجية، والمساءلة والمحاسبية، ومستوى تقديم الخدمات؛ حيث تحسينها بالصورة التي ترضي العميل.
وتستهدف الدولة المصرية نشر ثقافة الحوكمة الرقمية لما لها من ثمار تكمن في اتساقها مع فلسفة التحول الرقمي، ويستفيد من خلالها القائمين على العمل؛ حيث تجديد خبراتهم الإدارية، وسهولة تداول الخبرات عبر تنوع قنوات التواصل بين المؤسسات، وتلقي الدعم من الجهات والأفراد لتحسين الأداء المؤسسي، والتدريب المستمر الذي يكسب القائمين على العمل الأداء الوظيفي الذي يفي بالاحتياجات والمتطلبات على مستوى الفرد والمؤسسة، كما تحقق الحوكمة الرقمية العدالة والشفافية في اتخاذ القرارات، وتسهم في تعزيز الثقة المتبادلة بين كافة الأطراف في المؤسسة؛ بالإضافة إلى أنها تساعد في صياغة الخطط التطويرية بالمؤسسة، وفي آليات توزيع القوى البشرية وفق مهاراتها؛ لتمكن المؤسسة من مواجهة التحديات والتغيرات التي قد تطرأ عليها.
وتُمكّن الحوكمة الرقمية الجهات الرقابية من مباشرة مهامها لرفع مستوى الأداء والحد من سبل الفساد ومداخله المتعددة، وتوفر الوقت والجهد والتكلفة للوصول إلى المنتج المرضي والذي يتسق مع المعايير المحلية والعالمية، كما تسهل تدشين قاعدة بيانات للمؤسسة لتوفير المعلومات وتقديم الخدمات للمجتمع المستهدف تتسم بالمصداقية، وفي ضوئها تتخذ القرارات المناسبة.
وتدعم القيادة السياسية الحوكمة الرقمية من خلال توفير التمويل الذي يُسهم في توفير بنية تحتية رقمية تعمل على تفعيل النظم الرقابية اللازمة للضبط المؤسسي، وتجنب المؤسسة التعرض لمسارات الفساد المقنعة والتي قد يكون منها الرشوة، أو المحسوبية، أو هدر الوقت والجهد، أو التزوير، كما تضمن النظم الرقابية تنفيذ القواعد والقوانين المؤسسية التي تضمن حسن إدارة العمل والأداء.
وينبع إيمان القيادة السياسية بأهمية تطبيق الحوكمة الرقمية بمؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية من رسالتها في حماية المنتسبين للعمل والمستفيدين من خدماته، وتحقق العدالة لجميع الأطراف من داخل المؤسسة وخارجها، بما يحتم ضرورة سلامة قنوات الاتصال بين الجميع وفق القوانين والقواعد المنظمة لسريان العمل، كما يظهر ما تم إنجازه من أداء بما يستلزم الحصول على مزيد من الدعم والتطوير لتحسين الأداء، وبما يؤكد على المحاسبية والشفافية التي تدعم الحد من طرائق الفساد المبتكرة، ولا ريب من أن المؤسسة تستطيع إدارة المخاطر المختلفة بكفاءة تتسم بالذاتية وفق نظمها الرقابية الداخلية والخارجية.
وتُساعد الحوكمة الرقمية على اتخاذ القرارات المؤسسية وفق المعايير التي تتبناها، كما تُساعد في توزيع المهام والمسئوليات والاختصاصات وفق صلاحيات السلم الإداري، ومن ثم تركز على المحاسبية والشفافية في إنجاز المهام.
وتحقق الحوكمة الرقمية المزيد من الانضباط المؤسسي وفق ما تتبناه المؤسسة من سلوك أخلاقي في إنجاز أعمالها، والذي لا ينصرف عن احترام اللوائح التي تصدرها القيادة المؤسسية لصالح العمل والمستفيدين، وقدرتها على تمييز الأداء الصحيح من المشوب لتفادي المشكلات والمضار التي قد تلحق بالعمل والمستفيد منه، وتحافظ الحوكمة الرقمية على مصالح المستفيد؛ إذ توفر له المعلومات التي تجعله يتخذ القرار الصحيح، كما توفر له قنوات التواصل التي تحقق ذلك.
وبرغم ذلك تعمل الحوكمة الرقمية على منح المؤسسة الاستقلالية بإزالة معوقات وروتين العمل والحد من الضغوط على المستوى الداخلي والخارجي، وتعضد الحوكمة المساءلة التي تضمن تفادي السلبيات وتعزيز الإيجابيات لجميع الأطراف، وهذا بالطبع يعمل على رفع كفاءة العمل بالمؤسسة، ويحقق العدالة التي تقوم على احترام الحقوق وحماية المصالح والمساواة مع الجميع دون استثناءات، بما ينمي الوعي الصحيح والديمقراطية التي تقوم على النزاهة وسيادة القانون، وتحارب بكفاءة مظاهر الفساد المختلفة وتقوي ماهية المسئولية الاجتماعية في نفوس المواطنين.
ومن المهام الرئيسة للحوكمة الرقمية محاربتها للفساد الذي يعني إساءة استخدام السلطة أو الوظيفة لتحقيق مكاسب خاصة وأغراض تدر نفعًا للفرد، وفي المقابل تؤكد الحوكمة على جودة الخدمات العامة بما يشعر أفراد المجتمع بالرضا ومن ثم تقل الضغوط السياسية وتتحقق المصداقية في تنفيذ السياسات، وبالتالي يحدث الاستقرار السياسي ويغيب العنف وتسود الحالة الدستورية بالبلاد وينمو الاقتصاد بقوة، ويُفعّل القانون الذي يحترم الخصوصية ويحمي الملكية ويحد من الجريمة بكل أنواعها، ومن ثم يتحقق الأمن والأمان.
والحق أن جمهوريتنا الجديدة بفضل قيادتها المستنيرة تسعى بقوة نحو الحوكمة الرشيدة التي من خلالها تتم إدارة ومراقبة مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية لجميع منتسبيها وخاصة أصحاب الأداء المؤثر؛ ليتحقق الكفاءة والفعالية والجودة والإنتاجية التي تلبي الاحتياجات والمتطلبات والنفع التام للمجتمع بأسره دون تمييز أو تفرقة.
وندعو العلي القدير أن يكلل جهود قيادتنا بالنجاح والتوفيق نحو استكمال رؤية مصر العظيمة، وأن يحفظ علينا بلادنا ويؤمنها من كل مكروه وسوء.