تبدو قضية اللاجئين أحد أكبر الأزمات التي تؤرق العالم في السنوات الماضية، في ظل العديد من الأزمات المتواترة، بدءًا من حقبة الربيع العربي، وحتى الأزمة الأوكرانية، في ضوء ما تمثله من ضغط شديد على اقتصادات الدول المستقبلة لأعداد كبيرة من الفارين من الصراعات المندلعة في بلدانهم، ناهيك عن التداعيات الكبيرة المترتبة على الأزمة نفسها، وهو ما ساهم في بزوغ نجم العديد من القوى السياسية التي تروج للإغلاق على الذات، حفاظا على الهوية الوطنية، وكذلك مقدرات المواطنين الذين يعانون مخاوف كبيرة، سواء أمنية، إثر اندساس عناصر متطرفة، قد تمارس أعمالًا تخريبية داخل دولهم، أو اقتصادية، جراء منافسة ربما لا تبدو عادلة في سوق العمل، مع قبول المهاجرين برواتب أقل من أبناء البلد.
ولعل النظرة إلى قضية اللاجئين شهدت تغييرات عميقة، في السنوات القليلة الماضية، بين الترحيب بهم، على غرار ما شهدته بعض الدول الأوروبية، في العقد الماضي، والتي شهدت استقبالا جماهيريا للقادمين من مناطق الصراع، تماشيا مع سياسات الحكومات، التي أبدت قبولا يحمل صبغة إنسانية، من جانب، وحتى التظاهر والاحتجاج، جراء الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين بالتزامن مع صعوبة الأوضاع الاقتصادية، كما هو الحال في الأزمة الأوكرانية، ناهيك عن ظهور نماذج دولية مناهضة لفكرة اللاجئين، على غرار الولايات المتحدة، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي اتجه لبناء سور ضخم على الحدود مع المكسيك للحد من دخول الأجانب، من جانب آخر.
الغضب الجماهيري في أوروبا، تجاه استقبال المزيد من اللاجئين، دفع إلى توجه الحكومة الألمانية مؤخرا، نحو التحول إلى إرساء ما أسمته بـ"اللجوء إلى دولة ثالثة"، خارج الاتحاد الأوروبي، عبر تصدير أعداد من اللاجئين لديها، إلى دول أخرى، يمكنها استيعابهم، وهو ما يتعلق بمحاولة الاستجابة للضغوط الكبيرة الملقاة على عاتق المواطنين الألمان، جراء المنافسة غير العادلة، التي يواجهونها مع العمالة الوافدة، في صورة لاجئين، حصلوا على الإقامة المؤقتة في الدول المضيفة.
إلا أن الأزمة السودانية الحالية ربما شهدت منحى جديدا فيما يتعلق بالتعامل مع القضية، تجسدت في أبعاد جديدة لمفهوم "الإجلاء"، والذي اقتصر في الأزمات السابقة على إعادة المواطنين العالقين في منطقة الأزمة إلى بلدانهم، لتتحمل دول بعينها، خاصة دول الجوار، وعلى رأسها مصر، مسؤولية إجلائهم، إلى أراضيها، فى إطار ما يمكننا تسميته بـ"اللجوء قصير المدى"، تمهيدا لنقلهم إلى دولهم، بالإضافة إلى استقبال السودانيين الفارين من نار الحرب المتقدة، بحثا عن ملاذ آمن، على أرض الأمن والأمان.
بين اللجوء والإجلاء، ثمة العديد من المتغيرات في التعامل مع قضية اللاجئين، أبرزها حالة التحول من مجرد استقبال هؤلاء الفارين من الصراع المحتدم، إلى تقديم الدعم الكامل لهم، في إطار من الحماية، سواء لأبناء دولة الأزمة، عبر فتح المعابر على مصراعيها أمامهم للدخول إلى أراضيها، دون التقيد بالوجود في أماكن معينة أو مخيمات، وهو ما سبق وأن طبقته الدولة المصرية مع اللاجئين الآخرين الذين جاءوا إليها في أزمات سابقة، سواء من سوريا أو العراق أو اليمن، أو غيرهم، أو مع أبناء الجنسيات الأخرى، بل والمساهمة فى إجلائهم، والبقاء على أرضيها.
وفي الواقع، يبدو النهج المصري في التعامل مع اللاجئين القادمين من السودان أو الآخرين يمثل بعدا آخر لما أسميته في مقال سابق بـ"دبلوماسية الحماية"، والتي باتت تحمل مسارات متنوعة، تدور في أحد جوانبها تقديم غطاء من الحماية لأبناء الدول الأخرى، بينما تقدم في نفس الوقت مساهمة دولية ناجعة في احتواء أزمات دولية، في ظل قدرتها، رغم الظروف الصعبة التي يواجهها العالم بأسره، على تقديم نموذج إنساني في السياسة الدولية، ربما افتقده العالم في التعامل مع العديد من القضايا الأخرى.
إلا أن حرص الدولة المصرية على تقديم غطاء الحماية للاجئين، ربما تزامن مع إجراءات أخرى، من شأنها تقديم الدعم للمصريين، خاصة من العمالة، وهي الفئة التي ربما تجد منافسة مع اللاجئين القادمين من الخارج، وهو ما بدا في قرارات الرئيس عبد الفتاح السيسي، تزامنا مع عيد العمال، قبل أيام قليلة، عندما أصدر تغطية تأمينية شاملة، تحت مسمى "أمان"، في رسالة تحمل قدرا كبيرا من الطمأنينة للمواطن المصري البسيط.
وهنا يمكننا القول بأن ثمة معادلة مهمة أرستها الدولة المصرية في مواجهة التحديات الكبيرة الناجمة عن التدفق الكبير لأعداد اللاجئين القادمين إليها، مع تطورات الأوضاع في السودان، ناهيك عن وجود أعداد كبيرة من اللاجئين القادمين من دول أخرى، جراء الأزمات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في السنوات الماضية، وهو ما يمثل جزء من استراتيجية، تعكس حالة من الانسجام الكبير بين الرؤى، التي تتبناها سواء فيما يتعلق بالأزمات الدولية الملحة أو الأوضاع في الداخل.