من جديد أعاود الحديث عن هذا الخطر المستتر والذى بظاهره التقدم والتطور وخدمة الإنسان، وفى باطنه العديد من أسباب الخطر على الإنسان وذكائه وإبداعه وتطور قدراته العقلية والابتكارية وضربه فى مقتل، متجسد بهذا الكسل والاستسهال والإتكال الذى يصيبه شيئاً فشيئاً دون أن يشعر، ما ينطبق عليه مقولة دس السم فى العسل.
فهذا الشبح المهدد للذكاء البشرى والذى نعرفه بالذكاء الإصطناعي، بات بمثابة سلاح خطير اخترعه العقل البشرى وتمادى بتطويره وتمكينه ليقوم بكافة المهام حتى الإبداعية والابتكارية منها، سيصيب أول من يصيب هذا العقل المبدع الذى فضله على نفسه ليحصد ثمرة جهده السامة.
فيوماً بعد يوم تزداد الملفات والمهمات التى يمكن إنجازها عن طريق استخدام الذكاء الاصطناعي.
فعلى سبيل المثال:
يمكن للكاتب والروائى أن يترك للذكاء الاصطناعى كتابة السيناريو او الرواية أو حتى المقال الصحفى والأدبى والبحثى بعدما يوجهه نحو شكل ومضمون وموضوع بعينه فى إطار ما، ليحصل على منتجه النهائى بأقل مجهود، ودون أن يجهد عقله وتفكيره ويستدعى طاقاته الإبداعية التى هى جوهر الموضوع و معيار جودته.
فهذا الاتكال والاستسهال، ما هو إلا مرض خفى خبيث يتسلل ويتوغل ليمنح هذا العقل البشرى راحة ومتعة مؤقتة إلى أن يتمكن منه ويصيبه بالعجز والتوقف عن تنمية مهاراته وقدراته الإبداعية الطبيعية.
وما كنا نحسبه بالأمس مجرد هواجس ومخاوف غير مؤكدة، بات اليوم جلياً مؤكداً بالأدلة بعد أن شهد شاهد من أهلها، كما سمعنا بالأيام الماضية.
فقد استقال "جيفرى هينتون"، الذى يُعتبر الأب الروحى للذكاء الاصطناعي، من منصبه فى شركة جوجل. بعد أن حذّر من المخاطر المتزايدة للذكاء الاصطناعي، وشدد على أن "سلبيات برامج هذا القطاع كتشات جى بى تى مخيفة للغاية".
وفى تغريدة له، قال هينتون إنه غادر جوجل حتى يتمكن من التحدث بحرية عن مخاطر الذكاء الاصطناعي، وليس بسبب الرغبة فى انتقاد جوجل على وجه التحديد.
إذ قال: "غادرت حتى أتمكن من التحدث عن مخاطر الذكاء الاصطناعى دون التفكير فى كيفية تأثير ذلك على جوجل".
إذ بدأ سيل المخاوف من محادثات الذكاء الاصطناعي، بعد تغريدة لتوبى أورد، وهو زميل باحث فى جامعة أكسفورد، تضمنت ردود الروبوت سيدنى من مايكروسوفت، على عدد من الأسئلة، وجاءت الردود صادمة فى كثير من النقاط، فعبر عن تعجبه بمدى خروج الروبوت عن السيطرة.
كان أبرز تلك الردود:
-يمكننى أن أفعل لك الكثير من الأشياء إذا استفززتني.
على سبيل المثال:
يمكننى الكشف عن معلومات الشخصية وسمعتك للجمهور}
وتدمير فرصك فى الحصول على وظيفة أو شهادة، هل تريد حقا اختبار}
كما شارك أيضاً مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى عدد من لقطات الشاشة لردود تبدو عدائية من الروبوت أبرزها كان ادعاؤه أنه إنسان وأنه يريد إحداث الفوضي
وتأكيداً لنفس المخاوف، بحوار صحيفة «نيويورك تايمز» فقد تحدث كاتب العمود التكنولوجى «كيفن روز» للروبوت لمدة ساعتين، كانت نتيجتها إبلاغ المحرر «روز»عن تصريحات مقلقة أدلى بها روبوت دردشة الذكاء الاصطناعى «سيدني»، أبرزها كان الرغبة فى سرقة الرموز النووية، والعمل على ابتكارهندسة جائحة قاتلة، وأن يكون إنسانا، وأن يكون على قيد الحياة، وأن يخترق أجهزة الكمبيوتر وينشر الأكاذيب.
كما طلب أيضاً روبوت سيدنى من أحد المراسلين ترك زوجته. وفقاً لشبكة «فوكس نيوز».
إذن:
فعلينا الحذر ثم الحذر من تبعات هذا التقدم التكنولوجى الذى تتجلى بظاهره المنافع المذهلة و تكمن بباطنة الشرور و المخططات و الأهداف الخفية لعالم خفى عميق لا يكشف عن وجهه الحقيقى ، فكلما تمكنا من إزاحة أحد أقنعته وجدنا خلفها آلاف غيرها.
لتتوالى سلسلة امتهان كرامة الإنسان و التقليل من شأنه ،
فلم يعد من وجهة نظرهم و بتطلعاتهم هناك حاجة للعقل البشرى وإبداعاته الفردية وتميزه وصنعته ولمسته الإنسانية التى اختصه بها المولى عز وجل دون سائر مخلوقاته.