إما أن تكون موهوبا أولا، فالموهبة لا تكتسب، و(نيللي كريم) خير مثال على ذلك، فهي صاحبة موهبة فريدة من نوعها، أطلت علينا (نيللي) في الأعوام الأخيرة بأعمال تؤكد لنا أننا أمام نجمة حقيقية، نجمة قدمت ألوانا كثيرة من الأدوار ومع ذلك لم تكشف كل أوراقها بعد، فهي ما زالت تخفي الكثير من الموهبة والشغف للفن في جعبتها، وموهبتها لا تظهر فقط داخل العمل الفني ولكنها تظهر من خلال اختيارات الفنانة لأعمالها، فنستطيع مراقبة تدرج نضوج موهبتها من خلال تسلسل اختياراتها لأعمالها، فقد شاهدناها مؤخرا في دور (نادرة) في مسلسل (عملة نادرة) تلعب الشخصية بإتقان شديد وأبهرت الجميع، وهذا بالطبع يقودنا إلى الكيمياء الخاصة التى جمعت بينها وبين النجم العربي (جمال سليمان) الذي برع من قبل في هذا اللون من الأعمال الصعيدية، لكن عنصر الجذب بينهما ربما يكون من النادر حدوثه.
تتمتع النجمة (نيللي كريم) برؤية ثاقبة ووعى تام بمسئولية الفن، وتختار أدوارها بعناية خاصة جدا، ويبدو لي أنها تدرك أن الفن الدرامي ليس مجرد حكاية نرويها فحسب، بل هو متعة مشاهدة، وترفيه نترقبه ونتابعه بشوق، إلى جانب القيمة الدرامية التي تطرحها الحكاية نفسها - هنا يمكننا الإشارة إلى أدوارها المختلفة الذي تمثل فاكهة بمذاق مختلف أو طيفا هادرا في أي دور تقوم بها، فهى فنانة متمكنة صنعت لنفسها مكانة خاصة على الساحة الفنية، استطاعت بأداء سهل وبسيط الوصول إلى قمة الهرم التمثيلي، فتجسد جميع الأدوار بحرفية كبيرة ومن خلال هذا الأداء الرائع تجعل المشاهد يتعايش معها وكأن هذا العمل حقيقي وليس مجرد تمثيل.
نيللي كريم، ليست ممثلة عادية بل تبذل قصارى جهدها وتتلون بأداء متمكن بعيد عن التكلف (الأفورة) حتى تقدم أفضل ما لديها وتخطف الأنظار في كل ما تقدمه بأداء جبار، وذلك بعدما أصبحت لديها القدرة على الإبداع فيما تقدمه في الدور والمزج بين الكلمات واندماجها مع لغة الجسد والتمثيل بالعينين، وكذلك طبقة الصوت التي تتحدث بها وفي كل عمل تقدمه يؤكد الجمهور أنه الأفضل وأنها تستحق لقب (غول تمثيل)، حتى أنه من الصعب جدا أن يتفق الجميع علي موهبة شخص ما، ولكن مع (نيللي) يبدو الأمر معروفا فهى ذات الأوجه المتعددة ممثلة الأدوار المركبة الصعبة التي امتلكت مقومات ومبادئ وأصول (المهنة).
تستطيع (نيللي كريم) أن تجسد دور الفتاة المتمردة، والمرأة الشريرة، والكوميديانة، والهانم، والصعيدية المغلوبة على أمرها كما في (عملة نادرة) في موسم رمضان 2023، وهى قد دخلت من قبل عالم (الأكشن) من أوسع أبوابه، لتسجل أهدافا كثيرة ومتعددة، نظرا لما يتميز حضورها دائما بالخفة والبساطة، فهي فنانة موهوبة بحق، وهى تظهر هذه الموهبة بقدر كبير من السلاسة والهدوء، فلا تشعر أنها تمثل، بل تشعر أنك تشاهد شخصية حقيقية أمامك، هذا هو ما جعلنا نصف أسلوب (نيللي كريم) بالأداء السهل الممتنع، فهو بسيط ومعقد في نفس الوقت، تركيبة مختلفة ومغايرة للسائد من النجوم، ولكنها وحدها هى من تمتلك سر هذه التركيبة.
وظني أن النجمة المصرية (نيللي كريم) التي تملك طيفا واسعا من الانفعالات وإدراك عمق كل منها وعلاقتها بالشخصية التي تؤديها ما جعلها ممثلة من العيار الثقيل، حيث يكمن باستطاعتها أن تفاجأ الجمهور بردود فعلها وعدم قدرة المشاهد على التنبؤ بما ستقوم به من حركات وإيماءات لاتشبه أحدا غيرها، فهى على حد اعتقادي ممثلة من العيار الثقيل بامتلاكها أصعب المهارات المتوقعة من الممثل، والمقصود بها القدرة على الانكشاف العاطفي أو كما يسميه البعض (التعري العاطفي) الذي يعني استعداد الممثل لعرض مشاعره الإنسانية بشكلها الحقيقي في موقف درامي ما ضمن القصة التي يمثلها، إذ يكمن سبب ضعف الأداء لدى العديد من الأشخاص في هذه النقطة، على عكس (نيللي) التي تعرف كيف تتحكم في لغة جسدها بطريقة احترافية تمنحها القدرة على التألق والتفوق في تقمص مختلف الشخصيات التي تجسدها ببراعة فائقة.
ولقد لاحظت في مسلسلها الأخير (عملة نادرة) أنها لا تلجأ أبدا إلى تزييف ردود فعلها واختلاق مشاعر غير حقيقية وتقديمها للجمهور، فهى تدرك جيدا أن مثل تلك التصرفات تضع حاجزا بين الشخصية التي يؤديها والمشاهد، عوضا عن التأثير به وسحبه إلى عالم القصة، وهى في هذا المضمار تلجأ إلى تأدية دورها وفقا لمزاجه الخاص، في هذا تجبر نفسها على تمثيل انفعالات الشخصية، وهذا ما يميز الممثل المخضرم عن الممثل الصاعد، إذ يساعد تراكم الخبرة لدى الممثل القديم بزيادة ثقته بعمله حتى إن أخطأ في بعض الأماكن أو تعرض للمعوقات في أثناء العمل، على عكس الممثل الصاعد الذي يمكن لأي مطب صغير أن يوقعه بالارتباك.
تستخدم (نيللي كريم) تكنيكا خاصا بها عند الشروع في الدخول للبلاتوه من خلال خطوات استكشافية لمعالم الشخصية وإضفاء نوع من المهارة الحرفية العلمية الواجب اتباعها قبل الظهور على الشاشة، فهى أولا وقبل كل شيىء تتعرف على الفكرة الأساسية من خلال قراءة النص بتمعن، وأن تتعمق بقراءة الحوار وأن تتكشف ماخلف السطور من معاني تجسد عمق وجوهر المعنى والمستتر ماخلف الكلمة، أي ماخلف السطور، وما تعنيه من المعنى الحقيقي للكلمة ليتسنى لها التعبير عنها وفق دافعها الفوقي وما تعنيه من المعنى الحقيقي لها، لأن الكلمة قد تتاثر بأجواء الفعل والحدث ويعني باطنها غير ما يعنيه ظاهرها، غير أنها تسطيع أن تعطي لها معان ودلالات غير ماتحملها صورة حروفها، عليه يمكنها إيجاد العلاقة مابينها ومابين الشخصيات الأخرى بموجب ماتمليه عليها شخصيتها وفق تحليل شخصيته وإيجاد الأبعاد الثلاثه (البعد الطبيعي، البعد النفسي، البعد الاجتماعي).
ولقد تجلت هذا العناصر الثلاثة لتلك النجمة التى سحرتنا بطلتها الجميلة عبر شخصيات عديدة قدمتها في السينما والتلفزيون، وقوة موهبتها الطاغية، التى تمتلك ابتسامة غامضة تضئ وجهها، وتنير كافة الظلمات المتراكمة القابعة في أعماقها، (نيللي) صاحبة الألف وجه والتى تتجمع خصالها كلها في ابتسامة حارة (بـ 100 وش)، ونظرة حزينة (فاتن أمل حربي) والتصاق حميما بنا وبأحلامنا ومشاعرنا المكبوتة ورؤانا الصغيرة (ضد الكسر)، وآمالنا التى تقودنا أحيانا عكس الريح (سجن النسا).
اعتادت (نيللي كريم) أن تغيير شكلها حسب الشخصية التى تؤديها ففى شخصية (جلنار/ صافيناز) التى قدمتها فى مسلسل (سرايا عابدين) قدمت (كاراكتر) لاينسى من عدة نواحى، على مستوى طريقة كلامها وردود فعلها ووجهها وملابسها، وهى نفسها تختلف في شخصية (مريم ندى) في مسلسل (تحت السيطرة) عن (ملك عبد الله الكيلاني) في (سقوط حر)، وويبدو ملحوظا أنها اتبعت (ستايل) خاص في (جميلة) في مسلسل (لأعلى سعر)، ولأنها معنية بالتنوع في أدوارها فتجدها في (فريدة المنشاوي) في (اختفاء) غير (سكر/ كوث) في (بـ 100وش)، ومعروف أنها تألقت من قبل في (ناهد جلال) بمسلسل (هدوء نسبي)، وسجلت أولى مراحل نضجها بشخصية (غالية) في (سجن النسا)، ومن قبل ذلك في (ذات) بمسلسل (بنت اسمها ذات)، وبلغت أعلى نقطة في قمة نضجها بـ (فاتن أمل حربي) رمضان 2023، لتدخل بعدها تجربة جديدة في حياتها المهنية بلعب دور إمراة صعيدية في (عملة نادرة) رمضان 2023 مؤكدة امتلاكها قدر هائل من الموهبة.
لقد أثبتت النجمة (نيللي كريم) من خلال أعمالها المختلفة أنها تستطيع دائما أن ترسم لنفسها طريقا مختلفا فى الأداء التمثيلى إذا توفر لها ورق جيد، ولا ينافسها فيه أحد، كما أن أسلوب اختيارها لأعمالها يتسم بعدم التردد وبالجرأة فى اختيار أعمال مثيرة للجدل، وهى فى العادة لا ترضى بالأدوار العادية التقليدية التى لا تضيف إلى رصيدها الفنى عند جمهورها، والذى اعتاد أن يراها دائما فى المقدمة وفى صدارة المشهد الفنى وعلى قمة النجاح، فهى تتبع قاعدة التمثيل بحسب (هارفى كاتيل)، والتى تقول: (إن التمثيل عبارة عن رحلة إلى الداخل لمعرفة الذات وفهم المشاعر والدوافع والقدرات، إنه يحتاج إلى امتلاك تلك القدرة على ارتياد وسبر وفهم والتعبير عن تلك الوفرة من الأحاسيس التى تحتدم بداخله).
دائما ما تجيد (نيللي) في أدائها بألعاب تمثيلية احترافية تضعها فى مصاف النجوم الأوائل، وهى بالتأكيد فى كل مسلسل تدخله تحرص على عناصر التشويق والغموض والإثارة التي لابد أن يتضمنها الورق، وهو ما نراه في الكثير من أعمالها السابقة، من خلال وجود لغز فى المسلسل يخلق حالة من التفاعل الإيجابى مع الناس والجمهور، فكما هو مؤكد فإن الحيرة والقلق يزيد من المتابعة وانتظار الحلقات بفارغ الصبر، فضلا عن ذلك فإنه يصنع حالة من التخيلات والتخمينات والأحاديث عن العمل، وهذا ما تحبه (نيللي)، وتعتبره نوعا من أنواع النجاح، لأن العمل موجه إلى جمهور، وما دام هذا الجمهور تفاعل مع المسلسل على هذا النحو، فهو دليل على قدرة المسلسل الفائقة فى جذب انتباه المشاهد.
ربما يتساءل البعض عن سر نجومية (نيللي كريم) التى يزداد بريقها يوما بعد يوم، وأيضا ربما يتساءل آخرون عن تلك العلاقة الغامضة التى تربط بينها وبين المشاهد منذ الوهلة الأولى، والإجابة ببساطة: أنها أصبحت ظاهرة فنية فريدة قلما يجود الفن بها، باعتبارها بطلة متميزة تمتاز برشاقة لافتة تكسوها جوانب من المرونة فى الأداء التمثيلى والبراعة فى اختيار الأدوار ودراستها بعناية فائقة وعمق وفهم كل أبعاد الشخصية التى تؤديها، تماما كما أمتعتنا بنجوميتها فى أدوار الرومانسية والحب، وفى أدوار مركبة غاية فى التعقيد ولكنها لعبتها ببراعة وذكاء ومن ثم جسدت هذه الشخصيات بدون أن نشعر بمعاناة، وكأنها لا تمثل، فهى تلقائية وعفوية ومنطلقة فى كل أدوارها، ولذلك فى كل مسلسلاتها تنجح وتبهرنا بجاذبية وطاقة جبارة وقوة إشعاع على الشاشة تخطف القلوب قبل الأبصار.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للنجمة (نيللي) كريم التي سارت على الأشواك في رمضان 2023، في مسلسل (عملة نادرة) من خلال دور صعب ربما أرهقها كثيرا، لكنها أثبتت من خلاله بما لايدع مجالا للشك أنها واحدة ممن يجدن فن التقمص، ويتوافر فيها الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، وتعيش في الدور بشكل بكامل عبر التسلل تحت جلد الشخصية، وذلك بفضل امتلاكها لعقل وجسم نشيط، ففي هذا العقل والجسم النشيط تكمن القوة الديناميكية لتكوين الشخصية شريطة أن يخلص الممثل للدور الذي يؤديه، حيث تعيش (نيللي) في مجتمع الدور وبإحساس صادق، في محاولة الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان، وعلى هذا الأساس يمكن تحديد قوتها كممثلة طبقا لما يسمونه بالموهبة الفنية.