منذ اللحظة الأولى لحضوري الدورة التاسعة من مهرجان أفلام السعودية، المُقام سنويًا في المنطقة الشرقية، أدركت أنه مرآة ضرورية لواقع الحال السينمائي في السعودية. مرآة تصنع هذا الانعكاس الطبيعي للأفلام التي تزداد كمًا وكذلك كيفًا إلى حد تزداد فيه الأسئلة حول مستقبل الصناعة في السينما السعودية، وما يترتب عنه من تأثيرات مختلفة تمتد إلى السينما العربية عمومًا.
الحماس موجود، وأيضًا الرغبة كبيرة في اللحاق بقطار السينما، فماذا عن الثقافة السينمائية؟ وعن الإنجاز الموجود على أرض الواقع؟.. إن المهرجان الذي تنظمه جمعية السينما وبالشراكة مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، وبدعم من هيئة الأفلام في وزارة الثقافة، وهو في تقديري مهرجان نضالي، بقدر حراكه الذي بدأ منذ ما يزيد عن 15 عامًا بمجهودات حثيثة من مديره الشاعر والسينمائي أحمد الملا وفريقه، يحققون خطوات راسخة لدعم السينمائيين والتجارب الجديدة، بدا ذلك واضحًا منذ ليلة الافتتاح ومن خلال فعاليات امتدت من العروض إلى حلقات النقاش في برمجته اليومية، والكتب المتعددة الصادرة لمؤلفين ونقاد من جنسيات عربية متعددة، وهنا ميزة تؤشر إلى أهمية الكتاب السينمائي الجيد والمبذول فيه جهد كبير، وتشير إلى مهرجان يسعى إلى ترسيخ الثقافة السينمائية، كما يصبو نحو بلوغ مرحلة الإنجاز الجيد الصنعة، والخروج من مرحلة الوقوف عند نقطة واحدة إلى الوفرة الإبداعية في المجال السينمائي.
المهرجان السعودي يتسم بحيوية محلية تتيح له فعل الاختبار الدائم لكل جديد مصنوع في بيئته ومجتمعه، لقد أتاح للسينمائيين السعوديين فرصة تقديم أفلامهم الجديدة، هذا لا يُسقط عنه محاولاته في الانفتاح على العالم، فقد شارك في لجان تحكيمه سينمائيون عرب وأجانب، كما أسهموا في الورش التدريبية المنعقدة ضمن الفعاليات والتي طرحت موضوعات مهمة، منها: (علاقة المخرج والممثل) و(الإنتاج المشترك بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا) و(مهمة وفرص المنتج بين التمويل والتوزيع)، إضافة إلى ضيوفه الذين ينساقون بشكل أو أخر إلى معاينة الواقع الإنتاجي السينمائي في السعودية ومساره وتأثره بالتغيير في البنى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية مؤخرًا، كلامي هذا يؤكده تزايد الأفلام المشاركة في مسابقات المهرجان: الأفلام الطويلة والقصيرة والوثائقية وكذلك الفيلم الخليجي، إضافة إلى مسابقة السيناريو غير المنفذ، و6 منح لدعم مشاريع سوق الإنتاج.
أتصور أن اختيار الكوميديا لتكون التيمة الرئيسية للمهرجان، هو اختيار جريء في حد ذاته، بل إنه مغامر بشكل كبير لأسباب عدة، لعل الفراغ الكوميدي الذي تعانيه السينما العربية عمومًا، من أبرزها وكذلك حداثة الكوميديا في السينما السعودية، السينما التي لا تزال تؤكد خطواتها بإنتاجات عدة وتعزيز مكانتها في صناعة السينما عمومًا، قد نرى الكوميديا في الدراما السعودية بكافة أنواعها قد انتشرت بوضوح في السنوات الأخيرة، لكن الأفلام احتاجت دفعة موازية، وهو ما أدركه البعض فحاولوا التجديد، ولعل مشروع "تلفاز" من العلامات التي حققت حضورًا قويًا في الساحة، بما يحفز للاتجاه نحو هذا اللون بحرفية تصنع نقلة إبداعية.
من هذه النقطة احتوى فيلم الافتتاح (سليق) للمخرجة السعودية أفنان باويّان، وهو فيلم رسوم متحركة تم تنفيذه بتقنبة "ستوب موشن" على حس كوميدي، محققًا هذا الحضور المتوازي بين الكوميديا والرسوم المتحركة كنوع من الأفلام الذي يحتاج رعاية أكبر، وهذا الحضور يلائم الخطوات الأولى لمخرجته التي قامت بالكتابة أيضًا، واستعرضت ملامحًا إنسانية ومعالمًا تفصيلية من بيئتها، كما يحفز على خطوات أخرى سواء لها أولإنتاجات الأخرين.
عمومًا، فإن المحاولات على أغلبها في هذا المهرجان تفرز أنماطًا مختلفة وتجارب جدية، بما يستكمل النقلة الإبداعية المرجوة، صحيح أنه قد يبدو أن الوقت لا يزال باكراً لرسم خطوط واضحة للتكهن بتطوراتها، لكن الحراك السينمائي لعدد من السينمائيين الشباب، سواء في كنف مهرجان أفلام السعودية الذي يعتني بهم، أو بشكل عام، وسعيهم إلى التعبير عن أنفسهم وهواجسهم وهمومهم، سوف يسهم كما أتوقع وأتمنى في عملية التغيير القائمة بالفعل.