شعيرتا العمرة والحج هما رحلتان ربانيَّتان للحرمين الشريفين من الطراز الرفيع ومِنْحة قُدسيَّة من البصير السميع، وهما محفلان من أعظم وأجل محافل الطاعة لله ومشاعرهما لا تُوصف وأحاسيس لا تُكتَب ويستشعرهما الذى يحضُرهما عندما ينظر إلى الكعبة ويصلى عند المَقام ويُقبل الحجر الأسود، ويسعى فى الصفا والمروة ويضحِّى كما ضحى سيدنا إبراهيم ويسجد فى روضة الرسول صل الله عليه وسلم، وتطوق إلى ذلك القلوب والنفوس المتعطشة للإيمان والألسن الملحة بالذِّكر والدعاء، حتى تتنزل الغفران والرحمة من السميع العليم، وذلك على من دخل فى بؤرة التقوى والصلاح واستحضر وعظم هذه الشعائر الربانية، حيث يقول الله تعالى فى محكم تنزيله ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾.
ولكن هناك من الناس خلال أدائه هذه الشعائر يكون قلبه وعقله ما زال معلقا بمباهج الدنيا وزخرفها، بدلا من أن يكون قلبه حاضرا مستشعرا المعنى والمغزى من كل منسك أو شعيرة فى تلك الرحلة، بدءا من مجرد التفكير فيها حتى ما بعد العودة منها، حيث تجدهم دائما يلتقطون الصور الشخصية لهم ولأهليهم فى هذه المناسك، خاصة خلال التواجد بصحن الكعبة والطواف بها ولا يعلمون أن الطواف حول الكعبة صلاة لأنه يشترط لها الوضوء، وهى فى صورة خطوات ودورات ودعوات، ولابد أن يخلو القلب من كل شيء إلا الله وحب الله، وأيضا خلال السعى بين الصفا والمروة، وفى روضة الرسول صل الله عليه وسلم، ولكن للأسف كل ذلك بهدف وضعها على صفحاتهم الشخصية بشبكة التواصل الاجتماعى للتباهى والتفاخر، ومنهم من المشاهير والقدوة وبعض دعاة الدين بهدف بما يسمى ركوب الترند لحصد الأموال.
ولذا علينا جميعا أن نعلم أن من يكرمه الله بزيارة بيته المعمور وخاصة ونحن على أعتاب حلول فريضة الحج أنه إذا ارتدينا ملابس الإحرام أن ننسى بهرجة الدنيا وزينتها وزخارفها ومباهجها ومناصبها، لأن هذه الرحلة هى رحلة قلوب ذهبت لتتزود وتمتلئ بالإيمانيات وإنها رحلة ربانية نورانية ورحلة قلوب وأرواح تسعى إلى خالقها فلا تنشغل أرواحنا إلا بالله، وأن ننَقِّى قلوبنا من أى مُرَادٍ سوى الله، وأن نستغل كل دقيقة فى الدعاء والذكر والاستغفار والصلاة والتقرب إلى الله، وألا نضيع الوقت فى اللهو واللغو والانشغال بالتصوير حتى يتحقق الحج المبرور والزاد الموفور والذنب المغفور، ونعود بإذن الله طاهرين انقياًء كيوم ولدتنا أمهاتنا وادعوا الله أن يرزقنا جميعا والمشتاقين حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وسعيًا مشكورًا.