للأسف صدقت توقعاتى التى أكدتها عدة مرات منذ شهور الشتاء الماضى أن هذا الصيف سيكون «صيفا ساخنا سياسيا متنوعا» بين عواصف من الإرهاب والانقلاب والإجرام والتجاوزات القانونية والسلوكية؟! فهى كانت مجرد قراءة سياسية بين الأحداث الساخنة التى لن تختصر فى ارتفاع درجات حرارة المناخية فقط، لأننا دخلنا مرحلة تشكيل وضع جديد من النفوذ لأطراف معينة فى المنطقة تجعل التوقعات السياسية للمشهد لا تطمئن لوجود أمل لشعار الاستقرار قريبا، ومما يجعل التحديات أكبر هو محاولة إعادة تموضع لعدد من الدول على حساب الأخرى بما تمتلكه من قدرة للتأثير وفرض حسابات سياسية تجعل كل دولة تفرض أمرا واقعا جديدا، لتحديد مكانتها ودورها فى المرحلة المقبلة.
على مستوى الإرهاب كان منها الهجوم الإرهابى فى مدينة نيس فى رسالة دموية بشكل جديد بالدهس للأبرياء فى أجمل مدن فرنسا وتحول فى لحظات الاحتفال بالعيد الوطنى الفرنسى لذكرى دموية؟! لماذا بالذات فرنسا فى كل مرة تجد موقفا سياسيا معلنا قبلها ضد نظام الملالى فى إيران، ومؤخرا كانت إيران استدعت السفير الفرنسى وقامت بتأنيبه كثيرا على استضافة مؤتمر المعارضة الإيرانية الذى اعتبر الأقوى الأهم والأكبر بالعدد والضيوف والمحتوى الذى يهدد النظام؟ فهل هناك بالصدفة خلايا نائمة قامت بتهديد أوروبا وبقلب الطاولة لإيصال رسالة دموية لفرنسا لمصلحة من هذا التوجه الذى يتم توجيهه لتحجيم نفوذ دول معينة، خاصة بعد مرور عام على ذكرى إبرام اتفاق النووى الإيرانى مع الدول الخمسة، ولم تحصل منه إيران حتى الآن بعد رفع العزلة عليها على كل ما كانت تطمح إليه ماديا ومعنويا، ولكن وجدت الجانب الروسى والتركى يتنافسان معها على الكعكة ويتدخلان عسكريا وسياسيا فوجب التنوع باستعراض الأوراق؟! هذا مؤكد احتمال وجب دراسته فى تحليل الأحداث وتوقيتها.
وأما الانقلاب القصير وكان لمدة ست ساعات فى تركيا فقد تحول بعدها إلى الفرصة الأفضل لأردوغان للإطاحة بخصومه فى الجيش والقضاء والمؤسسات الأمنية أمام العالم دون رادع فهو ينتقم وينكل بكل معارضيه بإجراءات انتقامية وبقوائم جاهزة تحمل آلاف الأسماء فى الداخل والخارج، والحقيقة أن تدعيات هذا الانقلاب كانت الأكثر إفادة لأردوغان «مؤقتا»، وطالب بحشد الشارع لمدة أيام طويلة لاستعراض القوة أولا وتعطيه الشرعية الشعبية على ما سيفعله بخصومه فى كل مكان، ولكن من المؤكد أن ما تم من إجراءات حتى الآن لن تستمر إيجابية بالنسبة له، فبعد فترة هناك مؤشرات ستنقلب بها الأمور بسبب هذا الأسلوب من الاعتقالات والأحكام والإهانة فى الانتقام، فمعالجة الأزمات بالأسلوب العنيف الخاطئ، وإهانة الشباب المتمردين دون مظلة القانون تنقلب بسرعة المشاعر وتجعل التعاطف والثقة تتلاشى، وتَخلق الكثير من الغضب داخل أوساط شعبية لأسر وأصدقاء هؤلاء، وما أدراك ثمن هذا الغضب!؟
ويبقى فى النهاية هذا حالات التدهور فى حقوق الإنسان، فهى لا تعد ولا تحصى، فالشارع التركى فى حالة ترقب وقلق من هذا النظام الذى يدعى الديمقراطية وله دستور، فقبل البحث والتحقيق نجد المحاكمة والعزل والاعتقال لأكثر من عشرين ألف شخص بين مواطن مدنى ومسؤول محلى وعسكرى من أصغر لأعلى الرتب فجأة لا مساحة لدولة القانون لدرجة المطالبة بتغيير الأحكام وعودة أحكام الإعدام؟!
أتعجب أين منظمات حقوق الإنسان من هؤلاء؟! وأين المدافعون عن القانون والقضاء فى مذبحة القضاء التى تمت سريعا دون بيان أسباب وبعد ساعات قليلة من استرجاع أردوغان للسلطة؟ تصفيات دون التحقيق والعدالة والبحث والأدلة والقرائن؟ حاكم وحاسب كل من خرج عن الدولة بالقانون وليس بمليشياتك المسلحة داخل الدولة! للأسف لا نجد أصوات واعتراضات لهذه المنظمات الحقوقية التى تصدعنا يوميا بالبيانات؟
فى النهاية إنها مشاهد لمرحلة دموية ترسم صورة بسلوك مستقبل تغلب علية طموح واضح لتنظيم إخوانى دون رعاية لمبادئ وقيم الدولة والوطن، ولكن مصالح لجماعة تحكمت وتوغلت فى مقاليد الحكم ولا تريد دراسة حالة التمرد نسبة الغضب والفساد، ربما فعلا أن أردوغان أجاد فى الأداء ورفع من مكانة تركيا بين دول العالم، ولكن لا يمكن أن يكون الثمن على حساب تطاوله وهجومه على الآخرين من الدول الخارجية أو المواطنيين، رسالتى لأردوغان الذى يستاء من رد فعل الإعلام أنك تحصد ما زرعت بالأمس القريب وستحصد أكثر غداً لما تعالجه اليوم بهذه الأفعال، ويبقى أن أشير إلى نجاح إرادة الشعب المصرى بعقيدة جيشه بالحفاظ على هوية وحماية الوطن فى إقصاء خطر رئيس إخوانى، وله عشيرة كبيرة رغم أنف تركيا وأمريكا كمان.