هل تصدق أن المصريين اشتروا بحوالى 30.5 مليار جنيه ذهب ومجوهرات فى ثلاثة شهور فقط من بداية العام الجارى...؟
الإجابة بالإيجاب بالتأكيد لأنها بيانات رسمية صادرة عن مجلس الذهب العالمى، تشير إلى أن إنفاق المصريين على شراء الذهب خلال الفترة من يناير وحتى نهاية مارس من العام الحالى بلغ نحو مليار دولار الحالى. المصريون اشتروا 16.2 طنا، مقابل 12.2 طناً خلال الفترة ذاتها من العام الماضى، بنسبة نمو بلغت نحو 33%.
مجلس الذهب العالمى ذكر أن مصر احتلت المركز السابع فى قائمة الدول الأعلى إقبالاً على شراء الذهب والسبائك خلال الربع الأول من العام الحالى بحصة تبلغ نحو 2% من الإجمالى العالمى. وتتربع على قمة الدول العربية الأعلى إنفاقاً على شراء المعدن الأصفر خلال فترة الشهور الثلاثة الأولى من العام الحالى.
لكن لماذا أقبل عدد كبير من المصريين لشراء المعدن الأصفر..؟
الأسباب معروفة، أحدها يتعلق بالعادة المصرية القديمة باكتناز الذهب و"تحويشة".. لكن المستجدات فى الأوضاع الاقتصادية العالمية والمحلية هى التى دفعت المصريين إلى الإقبال غير المسبوق لشراء الذهب كأداة تحوط مع استمرار خسائر الجنيه المصرى مقابل الدولار الأميركى ومواجهه التضخم المتزايد.
فى ظل أوضاع اقتصادية صعبة عالمية ومحلية يبدو هنا التساؤل الذى يطرحه من يتابعون عمليات الشراء المذهلة للمعدن الأصفر داخل السوق المحلى :" "بتجيبوا الفلوس دى منين؟".. و"مصر لسه فيها فلوس؟".
وهى الحالة ذاتها التى أثارت تساؤلات وانتقادات مشابهه فى نهاية الصيف الماضى مع انتشار صور توضح وتوثق لحظة توافد وتزاحم مئات المصريين على شراء فيلات فى مشروع جديد بالساحل الشمالى تقدر بعشرات الملايين، وكانت المعلومات المتداولة تشير بان سعر الفيلا الواحدة يصل إلى 105 ملايين جنيه، وتبلغ مساحة الوحدة 580 مترا مربعا. وكان عدد الوحدات المعروضة حوالى 300 وحدة، بإجمالى حجوزات 34 مليار جنيه، مع التأكيد على أن التخصيص بأسبقية الحجز، وهو ما دفع العديد من الناس للتزاحم من أجل سرعة الحجز.
المفاجأة والمفارقة أن الوحدات المعروضة تم حجزها فى 6 ساعات فقط..!!
الخيط الرفيع الذى يصل بين الإقبال على شراء الذهب والفيلات- علاوة على الأسباب المعروفة اقتصاديا- هو أن السوق المصرى مازال يحتفظ بسيولة عشوائية يجرى تداولها خارج الجهاز المصرفى وهو ما يؤكده البنك المركزى المصرى.
فطبقا للأرقام، فإن حجم ما يجرى تداوله من نقود خارج الجهاز المصرفى حتى نهاية العام الماضى وصل إلى مستوى 800 مليار جنيه..! وهو ما يبرر حجم الأموال التى اشترى بها المصريون الذهب أو الفيلات أو الشقق العقارية دون صدور أية أرقام عن سحب للودائع من البنوك.
إذن السيولة العشوائية مازالت تمثل سوقا موازية لا تتيح لصاحب القرار المالى والنقدى لتقدير حجم السيولة الحقيقية فى السوق المصرى وحركة التجارة الداخلية رغم جهود الدولة منذ 2014 لتطبيق الشمول المالى الذى يتيح مختلف الخدمات المالية للاستخدام من قبل جميع فئات المجتمع من خلال القنوات الرسمية بجودة وتكلفة مناسبة مع حماية حقوق المستفيدين من تلك الخدمات بما يمكنها من إدارة أموالهم بشكل سليم.
ومع ذلك فالمؤشرات تؤكد أن هناك زيادة كبيرة فى معدلات الشمول المالى خلال الفترة من 2016 حتى 2022 محققة معدل نمو بلغ 147% .
معنى ذلك أن إجمالى المواطنين الذين لديهم حسابات تمكنهم من إجراء معاملات مالية ارتفع إلى 42.3 مليون مواطن بما يعادل 64.8% من إجمالى المواطنين البالغ عمرهم 16سنةفأكثر والذى يقدر بـ65.4 مليون مواطن وبنسبة 60.6%.
الأمر الآخر أن الاستثمار فى البورصة مازال لا يغرى الأفراد فى مصر ربما لعدم المعرفة والإلمام بقواعد ومعايير الاستثمار فى سوق المال أو أن السوق ما زالت لا تحقق المكاسب السريعة الجاذبة لشريحة كبيرة من المواطنين ما زالت تحتفظ فى "جيوبها" أو "تحت البلاطة" بسيولة مالية ضخمة.
إذن الأرقام المنشورة عن شراء الذهب فى ثلاثة شهور أو الإقبال على شراء الفيلات الباهظة الثمن أو غيرها لا تثير الدهشة أو الاستغراب فى ظل الأرقام الرسمية عن حجم الأموال المتداولة خارج البنوك.. بما يجعل التساؤل "فيه فلوس لسه فى مصر" فى غير محله..!