لماذا تؤيد واشنطن أردوغان؟.. الرئيس الأمريكى باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيرى كانا أول من أعلنا تأييدهما لرئيس تركيا رجب طيب أردوغان، فور إعلان فصيل من الجيش التركى مساء الجمعه الماضية الانقلاب على الحكومة وسيطرته على الأمور، وحتى قبل أن تتضح الأمور سارع أوباما وكيرى لإعلان مساندتهما لأردوغان وحكومته.
أوباما وكيرى بررا موقفهما المتسارع بأنهما يدعمان الحكومة الشرعية والمنتخبة ديمقراطياً، لكن بعد أربعة أيام ظهرت الحقيقة، فالهدف الأساسى كان دعم أردوغان أيا كان موقفه، حتى وإن لم يأت بانتخابات ديمقراطية، لأن مصالحهما مع أردوغان وحكومته، ولا يريدان لغيره أن يحكم تركيا، وظهر ذلك جلياً من التصريح الغريب الذى أصدره جون كيرى الأربعاء الماضى حينما قال إن «واشنطن تدين محاولة الانقلاب الفاشلة فى تركيا وتدعم نظام الرئيس رجب طيب أردوغان فى تحركه لإعادة الإمساك بالسلطة التى تترجم بعملية تطهير واسعة».
ولم تكتفِ واشنطن بالدعم السياسى لأردوغان الذى يمارس أقصى درجات الديكتاتورية فى تركيا حالياً، باعتقاله مئات العسكريين والعاملين فى الشرطة، وأكثر من 15 ألف معلم، وغالبية عمداء الكليات، وإغلاق وسائل الأعلام المعارضة، بل أعلنت أنها فى طريقها للاستجابة لطلب أنقرة بتسليم فتح الله كولن، المعارض التركى المقيم فى الولايات المتحدة ويتهمه أردوغان بالوقوف خلف التحركات التى تستهدفه فى تركيا، وقال كيرى إن واشنطن تدرس الطلب التركى، وأنها طلبت منها أدلة قانونية حتى يتم استيفاء الإجراءات.
الولايات المتحدة التى انتقدت كل دول المنطقة بسبب الأحكام القضائية الصادرة ضد سياسيين تورطوا فى قضايا جنائية، ظهرت وكأنها تبارك ما قام به أردوغان بقتل المعارضين له واعتقال من تبقى منهم دون أى محاكمة أو أجراء قانونى، حتى حينما طلب عودة العمل بعقوبة الإعدام ليحاكم بها من وصفهم بالانقلابيين، وحينما أعلن حالة الطوارئ فى تركيا لثلاثة أشهر، لم تعلق واشنطن، كما علقت من قبل على إجراءات مشابهة بل أقل بكثير من تلك الإجراءات التى أعلنها ديكتاتور تركيا الجديد، والسبب بكل تأكيد أن واشنطن تكيل بمكيالين دائماً، تقبل ما يقوم به الحلفاء مهما فعلوا من انتهاكات، وتترصد أى تصرف من الآخرين.
نحن إذن أمام دعم لا محدود تقف خلفه مصالح أمريكية فى إبقاء أردوغان بكرسى السلطة، لأنه يحقق لواشنطن ما تحتاجه فى الشرق الأوسط، فهو الشرطى الأمريكى الجديد بالمنطقة، بديلاً لنظام الشاه الإيرانى الذى أسقطته الثورة الإسلامية فى نهاية السبعينيات، وستظل واشنطن داعمة لأردوغان ونظامه إلى مالانهاية، لأنه النموذج الذى تريد تطبيقه فى كل دول الشرق الأوسط، حاولت فرضه على مصر من خلال جماعة الإخوان التى رفضها المصريون وأخرجوهم من السلطة فى ثورة 30 يونيو، وحاولوا مع تونس، لكن التجربة تعثرت، ويحاولون الآن فى سوريا وليبيا واليمن، لكن الأمور لا تسير وفق المخطط له، لأن التيارات الإسلامية التى تراهن عليها واشنطن وحلفاءها بالمنطقة استخدمت العنف والإرهاب كأداة للوصول إلى السلطة.
فشلت التجربة لذلك وضعت واشنطن كل رهانها على أردوغان، رغم ما يظهر من خلافات سياسية بينهما حول عدد من الملفات الإقليمية، لكنها خلافات لم تؤثر على التحالف الاستراتيجى الذى يربط بين الاثنين، الذى يتجاوز أى خلاف، لأنه تحالف مصالح.
ما يهمنى فى هذا التحالف أن أردوغان يستغله لصالحه، من خلال الاستمرار فى سياسته الديكتاتورية ضد المعارضين والمناوئين له، فهو يعتبر الدعم الأمريكى مظلة الحماية التى يمارس تحتها ما يشاء، دون أن يتعرض له أحد، ووصل الأمر إلى اعتقاده بأن مظلة الحماية الأمريكية تمتد حتى فى شطحاته ضد الدول الإقليمية، ومنها بطبيعة الحال مصر التى تمثل عقدة شخصية أردوغان وربما لأوباما نفسه، لأنها استطاعت تحرير نفسها من قيود الضغوط الخارجية، أو ما يمكن وصفها بالاحتلال الجديد الذى رضى به أردوغان ورفضه المصريون.