الرسالة من شرق العوينات فى أقصى الجنوب الغربى لمصر كانت واضحة لمن يعى ويدرك أولويات الدولة فى السنوات القليلة المقبلة.
الرئيس السيسى أوضح فى رسالته خلال حضوره موسم حصاد القمح وافتتاح مصنع البطاطس، أن الزراعة والتصنيع الزراعى والتوسع فى المساحات المزروعة فى مصر هى أولوية قصوى للجمهورية الجديدة فى المرحلة القادمة للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائى المصرى.
الزراعة لم تغب عن رؤية القيادة السياسية منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الحكم فى منتصف العام 2014 ولم يكد يمر العام حتى أطلق المشروع القومى لزراعة مليون ونصف فدان ثم إطلاق مشروع شرق العوينات ودلتا مصر الجديدة، اضافة إلى نصف مليون فدان فى سيناء إلى جانب مشروع الصوبات الزراعية.
الزراعة كانت- ومازالت- أولوية استراتيجية فى اطار خطة التنمية الشاملة لمصر ولولا هذا الاهتمام منذ البداية لتعرضت مصر لكارثة حقيقية فى توافر السلع الزراعية مع الأزمات المتلاحقة خلال الأربع سنوات الماضية بداية من جائحة كورونا، ثم الأزمة الروسية الأوكرانية التى ألقت بظلالها الثقيلة والكئيبة ليس على الاقتصاد المحلى فقط وإنما على كافة اقتصادات العالم الكبرى والصغرى.
ولولا تلك الأزمات الخارجة عن إرادة الإدارة المصرية لكانت مصر قد حققت أهدافها الكبرى فى التنمية الشاملة ولقفز الاقتصاد المصرى بمعدلاته المذهلة قبل جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية إلى معدلات عالمية تلامس نسب نمو تتجاوز الـ7%.
كورونا والحرب الروسية لم تكن هما الأزمتين الوحيدتين عالميا التى واجههما الاقتصاد المصرى بأهدافه الطموحة، وإنما الأزمات الإقليمية والأوضاع السياسية والأمنية المحيطة بمصر من الغرب والشرق والجنوب، ومع كل هذه الأزمات ومع خطة الإصلاح الاقتصادى المبكرة تمكنت مصر من التصدى لها والخروج منها بأقل الأضرار، فلم يشعر المواطن بنقص ما فى أى سلعة غذائية، اللهم ارتفاع فى الأسعار نتيجة الجائحة والحرب وهوما تعرض له المواطنون فى كافة دول العالم، بل واستمرت الدولة المصرية فى البناء والتعمير لمشروعاتها القومية ونجحت فيها حتى الآن وبامتياز.
رسالة شرق العوينات من الرئيس أن العام الجارى وما بعده هى أعوام الزراعة والتصنيع والحصاد والنتائج تأتى سريعة ومبشرة، فأرض شرق العوينات كانت صحراء جرداء لآلاف السنين ولم يستغلها أحد، الآن وفى أقل من 8 سنوات "عملنا المشوار الأصعب"-كما قال الرئيس بالأمس- وأخضرت المنطقة هناك بإرادة سياسية قوية وبتخطيط علمى سليم لتوسيع حجم الرقعة الزراعية، خاصة فيما يتعلق بالسلع الاستراتيجية مثل القمح، فقد تمت زراعة 190 ألف فدان. ومن المقرر أن تصل حجم المساحة المستصلحة فى منطقة شرق العوينات إلى 280 ألف فدان العام المقبل فى 2024، حيث سيتم زراعة 40 ألف فدان جديدة بنظم الرى الحديثة. وتوفير فرص عمل لمليون فى شرق العوينات وتوشكى. وما سوف يتم إنتاجه من هذه المنطقة من القمح-حوالى مليون طن-يوفر للدولة الاستيراد بنحو 400 مليون دولار.
هناك اصرار وعزيمة للجمهورية الجديدة لزراعة مزيد من المساحات للقمح- وباقى المحاصيل الاستراتيجية- لأنه أصبح سلاح استراتيجى فى كل الدول فى إطار نهج جديد اسمه "التكامل الزراعى للزراعة المصرية".
مصر تقترب من إنجاز قياسى خلال أعوام قليلة للوصول بمساحتها المنزرعة إلى 12 مليون فدان وربما أكثر، فخلال السنوات الماضية أضافت مصر 4 ملايين فدان جديدة إلى 6 ملايين فدان قديمة خلال المرحلة الحالية من المقرر إضافة أراض زراعية جديدة تقدر بحوالى 2.8 مليون فدان فى منطقة الدلتا الجديدة ضمن مشروع دلتا مصر المستقبل وأيضا غرب المنيا لاستصلاح مليون فدان ملحق بها 16 ألف فدان من الصوب الزراعية حديثة التكنولوجيا ضمن مشروع "العاصمة الزراعية الجديدة"، والعمل أيضا على إضافة ١.٥ مليون ونصف فدان للرقعة الزراعية ضمن مشروع "توشكى الخير" ويربط بين المشروعات الثلاثة الطريق الصحراوى الغربى الجديد والخط الأزرق لقطار مصر السريع لسهولة نقل المحاصيل الزراعية إلى المناطق الصناعية ومنها إلى المناطق اللوجيستية والموانئ البحرية.
وفى سيناء هناك حاليا عملية استصلاح نصف مليون فدان جارى زراعتها بمناطق شرق القنطرة وبئر العبد بعد نقل المياة المعالجة من محطة بحر البقر اليها عبر سحارات سرابيوم. نحن نتحدث عن مضاعفة أراضى مصر الزراعية بحوالى 3 أضعاف تقريبا فى اقل من عشر سنوات بحيث من الممكن وبعد الانتهاء من هذه المشروعات أن تقفز رقعة مصر الزراعية إلى ما يقرب من 16 مليون فدان.
قلوع الأمل مشرعة نحو المستقبل القريب لتحقيق نهضة زراعية حقيقية لم تشهدها مصر منذ 200 عام تقريبا لتوفير محاصيل استراتيجية ومضاعفة حجم رقعتها الزراعية.
ودعوة الرئيس للمستثمرين فى الزراعة هى دعوة جادة سواء للاستثمار الوطنى أو العربى أو الأجنبى. ووجود الرئيس ومعه الحكومة بالأمس هى رسالة ضمانات بالحماية والتسهيلات من الدولة المصرية وباستخدام تكنولوجيا حديثة لأراضى. وهذا يعنى أيضا أننا فى حاجة إلى استراتيجية تسويق مرنة لجذب المستثمرين إلى القطاع الزراعى الذى بلغ حجم الناتج المحلى من انتاجه حوالى 7.5 مليار دولار -كما أشار الدكتور السيد القصير وزير الزراعة بالأمس- ولفت انتباهى أمس رسالة وصلتنى من المهندس قدرى النجار – وهو مستثمر مصرى بالسويد- يعرب فيها عن إعجابه الشديد بما يقوم به الرئيس والدولة فى مجال الزراعة، وقال أن هناك الآلاف من المستثمرين العرب المتجنسين فى أوروبا وتحديدا فى السويد لديهم الرغبة فى الاستثمار فى مصر، ويقترح تشكيل شركة تقوم بالترويج وبتعريف المستثمرين بالفرص الاستثمارية والتسهيلات المقدمة للاستثمار الزراعى وتسهيل الإجراءات الخاصة بذلك.