لم أر الأديب مصطفى صادق الرافعي في حياتي، فقد مات قبل مولدي بسنوات عديدة، لكنني وعندما أمسك بكتاب من كتبه أشعر أنه يجلس بالقرب مني، أسمع أنفاسه من بين الكلمات موحية، تارة متنهدة، وتارة فرحة، وتارة مُتكدرة، بل وأحس بعينيه تنظر إليّ تخبرني بمكنون قلبه، وما يحمله عقله من أفكار وهموم.
كان مصطفى صادق الرافعي نابغة الأدب في عصره، يتضح من كتاباته سعة ثقافته، وقدراته الفكرية والنقدية، وكذا تمكنه من زمام اللغة، وهذا مبسوط في مؤلفاته، والمؤلفات التي كُتبت عن أساليبه اللغوية والأدبية.
حمل الرافعي على عاتقه لواء الدفاع عن اللغة العربية والتراث العربي، فلقد كان يعتقد أنه رسولٌ لغويٌ بُعث في عصره لهذا الغرض، ويؤكد اعتقاده بقوله: (ثم إنه يُخيل إليَّ دائمًا أني رسولٌ لُغويٌّ بُعثتُ للدفاع عن القرآن ولغته وبيانه).
من أجل ذلك وقف الرافعي في وجه المتغربين، الداعين إلى نبذ اللغة العربية لصالح اللغات والآداب الأجنبية، فقام بالرد على هذه الدعوات ودحضها بلغة جزلة وحجج قوية.
خاض الرافعي الكثير من المعارك الأدبية مع رموز الأدب والكتابة في عصره، وعلى رأس هؤلاء " الدكتور طه حسين " والأديب “عباس محمود العقاد" إلا أن ذلك لم يمنع الأدباء من أن يثنوا عليه في أثناء حياته، وبعد وفاته، فقال عنه الدكتور طه حسين:
(وكذلك تظلمُ الأستاذَ الرافعي إنْ قلتَ إنَّ حظَّهُ من العلمِ باللغةِ العربيةِ وآدابِها وبدقائقِها وأسرارِها قليلٌ؛ وإنما الحقُ أنَّ الذين يعلمونَ هذهِ اللغةِ كما يَعلمُها الرافعي قليلونَ جدًّا وأحسبُهم يُحصونَ أيضًا.)
وأثني عليه الأديب عباس محمود العقاد قبل بدء المعركة الأدبية بينهما قائلًا:
(إنه ليتفق لهذا الكاتبِ من أساليبِ البيانِ ما لا يتفقُ مثلُه لكاتبٍ من كتابِ العربيةِ
في صدرِ أيامِها.)
وذكره بعد وفاته قائًلا:
– (إنَّ للرافعي أسلوباً جزلاً، وإنَّ لهُ من بلاغةِ الإنشاءِ ما يسلكُه في الطبقةِ الأولى من
كُتَّابِ العربيةِ المنشئين.)
رحم الله الرافعي الأديب، فقد كان صاحب أدبًا رفيع - قلما يجود الزمان بمثله- سما به في سماء الأدب حتى جاور نجومها.