الحرية ليست هى التحرر من القيود والقوانين، بل هى القدرة على الإنجاز والعمل، حتى في ظل القيود التي ارتضاها المجتمع وقيد بها نفسه، والحرية هى القدرة على تحقيق أهداف الناس والمجتمع، من خلال القوانين الطبيعية والموضوعة، والعيش هو توفير كل مقومات الحياة من مأكل وملبس، وهى أمور تتوقف على مايبذله المواطن من جهد، وما على الدولة هنا إلا أن توفر له فرصة العمل الشريف الذي يتكسب منه، إذا وفرت الدولة فرصة العمل تلك فعليه أن يكد ويبذل مافي وسعه من جهد، كي يوفر لنفسه مقومات الحياة، من متطلبات العيش الكريم ، وعلى رأسها رغيف العيش.
وظني أن الرئيس عبد الفتاح السيسي حقق حلم الحرية منذ أن وطأت قدماه القصر الجمهوري في عام 2014 وحتى اليوم، وذلك من خلال مشروعات كسرت قيود الماضي وقفزت بالبنية الأساسية للمواطن المصري نحو آفاق أرحب، وحققت مستويات معيشية في صورة (حياة كريمة) غير مسبوقة، كما زكرت في الوقت ذاته على تحسين المرافق العامة من طرق ووسائل مواصلات، وقضاء على العشوائية بتوفير مساكن جديدة تليق بحياة المواطن المصري، الذي وفر له من قبل كل ذلك الأمن والأمان في بيته وعمله وشارعه.
وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية التي تمر بها مصر حاليا ضمن كثير من دول العالم في ظل تقلبات الحروب والاقتصاد وغيرها من أمور سياسية مربكة، فلا ينكر أحد الإنجازات غير المسبوقة التي يسعى الرئيس لتسجيدها يوميا على أرض الواقع، وذلك على الرغم من أنه يقع العبئ الأكبر على المواطن لتوفير مقومات الحياة الكريمة الشريفة لنفسه، كما قال المولى عز وجل كتابه: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم"، وكما يقول المثل الدراج: "إسعى ياعبد وأنا أسعى معك"، أما التواكل على الدولة في كل شيئ فلن يحقق له أي شيئ.
ولقد آمن الرئيس السيسي منذ أول يوم له في حكم مصر أن الكرامة الإنسانية: هى المقود الذي به يمكن أن يعيش الإنسان معززا مكرما في المجتمع، فلا يعتدى على كرامته كإنسان له حقوق وواجبات، أي أن يتم المساواة بين المواطنين جميعا في المعاملة، وبلا تمييز أو تفضيل لأحد على على غيره، وهذا بدوره يحقق العدالة الاجتماعية، والتي تقتضي تطبيق القانون دون تجاوزات، فلا يعتقل، أو يسجن، أو يتم القبض عليه دون مبرر قانوني، ومن سلطة قضاية مستقلة، أما أن يحاول كل فرد أو جماعة التحرر من القوانين، وأن يطبق مايحلو له فقط، لوجدنا أنفسنا أمام عين الفوضى.
وبعد ما مضى من مفاهيم حول (الحرية - العيش - الكرامة الإنسانية - العدالة الاجتماعية)، دعوني أتحدث إليكم عن معانى أصيلة ومتجذرة في نفس وقلب وعقل الرئيس، تعلمها من خلال الجندية أو العسكرية، والتي يفتخر ويعتز بها، هى معان نابعة من عمق أكثر الرموز قداسة على الأرض، وهى غريزة الدفاع عن النفس.
فقد تعلم هذا الرجل من خلال العسكرية الحياة الخشنة والصارمة في التعليمات، وتقدير الموقف في حينه، مفهوم التعامل مع البسطاء، في أمور الحق والواجب، كلها معان - تحدث عنها خلال السنوات الثمانية الماضية بصدق وموضوعية - وهى بحسب تأكيده الدائم: تؤهلنا لشيئ واحد فقط هو: أن نحارب بكل ما نملك من قوة ورباطة جأش في سبيل الدفاع عن بلادنا، حتى ولو كلفنا ذلك أن نموت من أجلها سواء كان ذلك على مستوى الجبهة الداخلية (التصدي للإرهاب، وتحديات الاقتصاد) أو الخارجية (التآمر والخديعة من جانب دول تضمر الشر لمصر).
لقد قالها الرئيي مرارا وتكرارا: دعوني أقرر أمامكم أن أكثر ما يمثل إهانة للشرف العسكري القويم هو سلوك "النفاق والمجاملات" ، فمن يفعلها فإنه في واقع الأمر يمثل أكبر إهانة لى في شرفي العسكري، الضابط الحقيقي هو من تلقى علومه العسكرية، ودرس معارك الماضي، ولا يكتمل القائد أو الجنرال إلا عندما يقرأ التاريخ ويحفظه عن ظهر قلب، ويضفي جانبا من الفلسفة وعلم النفس تهذيبا للروح ونقاء للفكر، وأن يكون متذوقا للفنون التي تهذب الروح، وتصنع الخيال الطامح نحو عمق الحقيقة.
على مدار 8 سنوات ماضية لاحظت جدية الرئيس عبد الفتاح السيسي في بناء استراتيجية قوية قائمة على دراسات عميقة وقوة إرادة لاتلين - وهذا طبعه - الذي تجلى في مواقف عديدة كما برز ذلك بشكل واضح في تصديه لممارسات الإخوان اللعبة القذرة التي حاصرت مصر وكادت توقعها في هوة سحيقة تقضي على مستقبل الأجيال الحالية، ولعل لغة خطابة تعكس بين الحين والآخر عزيمته وإرداته في التصدي لأعقد الأمور التي تتعلق بحياة المواطن المصري، وذلك على جناح المصارحة: لقد واجهنا ظروفا صعبة، وثورات مستمرة خلال المرحلة الماضية، وآن لنا أن نخرج من مرحلة الغضب، تلك المرحلة السلبية التي طالت دون مبرر أخلاقي أو إنساني وجرفت حياة المواطن المصري دون ذنب ارتكبه أو جريرة كان سببها.
وظني أن كلمات الزعيم "جمال عبد الناصر" في درس النكسة لاتفارق خياله، فهو يؤمن بأن الثورة عمل إيجابي يستهدف إقامة أوضاع جديدة، وهو ما ذكره في خطابات سابقة: إذا كنتم معي في أن غضب الشعب المصري يجب احترامه، فإن ذلك يعد حجر الزاوية الذي يمهد للتغيير، والغضب إن طال فلايصلح للبناء، وإنما هو مرحلة قد تدفع للتغيير، شريطة أن يعقبها بناء حقيقي، وإلا استمرت وتيرة الغضب في هدم مكتسبات الشعب ومدخراته، أو بنيته النفسية التي هى جوهر الانطلاق نحو البناء، وهو ما تحقق عمليا على أرض الواقع خلال السنوات الثمانية الماضية.
يدرك الرئيس أن الجماهير، كل الجماهير لابد أن تندمج مع الثورة الحالية لتحقيق حلم مصر الجديدة - إذا شعرت أنها في صالحها وتمس اتجهاتها الحقيقية - لأنها ستتقدم على أكتاف من آمنوا بها، ومن تلقاء نفسها ستترك الغاضبين بمفردهم في قلب العاصفة، إذا شعرت أنهم أصبحوا أداة للتعويق، أو الرجوع للماضي، وعدم التطلع نحو آفاق المستقبل المفتوح على مصراعيه نحو بناء حقيقي وتنمية مستدامة، وقد أشار كثيرا إلى إن من يحاولون جرجرتنا إلى مناخ الإرهاب والتطرف، أو حتى الفساد تحت مسميات دينية، هم حتما غابت عنهم ضمائرهم قبل غياب عقولهم، وأقول لهم : إن أصحاب الضمائر في مصر كثيرون، وهم وحدهم قادرون بإيمانهم الصحيح والعميق النابع من فجر التاريخ وقلب الحضارة، هو الذي سيدفعهم لحب الحياة، والدفاع عن الأرض والعرض والعقيدة الصحيحة، في مواجهة كتائب نصرة الموت.
يشعر الرئيس ويدرك جيدا أن مخزون شخصية المصريين من لذة الإحساس بالإيمان، وفضيلة فعل الخير، ونقاء سريرة التسامح والعطاء وفير، وهو مايدفعهم لتنشئة أطفالهم على تلك القيم المتأصلة في ضميرنا، وهو ما سيجعلنا نسعد بتلقي العلم، والشعور بسعادة المدرس عندما يستدعي علمه ليودعه في عقول تلاميذه، ولذة وسعادة الطبيب عندما ينجح في علاج مريضة، أو عقب نجاح عملية جراحية تلقاه مريض بائس، ومصر التي عرفت لذة استنشاق الحرية بعد القمع والحرمان لايمكن أن تستسلم للمتطرفيين أو الإرهابين أو الفاسدين تحت أي مسميات، أو لغة دينية كاذبة لا تصل بأصحابها إلى جوهر الإيمان الحقيقي، الذي يدفعها إلى الأمام، كى تكون جزءا فاعلا في عالمها، مدركة ومستوعبة كل علوم عصرها، تشارك وتضيف بجدارة وتعبر عن عمق وقدرة تاريخ هذا الوطن وجدارة ومكانة هذا الشعب.
ومن خلال تجاربنا مع الرئيس السيسي يمكننا أن نستخلص العبر والعظات في تأكيده على أن مصر لاتحتاج إلى حاكم أو رئيس ليحكم المصريين، بقدر ما تحتاج لرئيس يمكن المصريين من حكم أنفسهم، وهذا يتحقق فقط عبر مؤسسات حقيقية تعبر عنهم، وتستطيع أن تقودهم إلى المستقبل ، بلا خوف أو تردد، وهذا هو دوره الرئيسي الذي خبره جيدا، لذا فسوف يتيح للشعب انتخابات حقيقية، بل نظاما انتخابيا نزيها وشفافا، قبل الانتخابات وأثنائها، بل وبعدها، وظني أن هذا هو الهدف الحقيقي لدعوته للحوار الوطني الذي بدأ جلساته بداية هذا الأسبوع ليتيح الفرصة لإقامة حوار بناء من جانب كافة أطياف المجتمع (معارضين، ومؤيدين) تجمعهم طاولة واحدة للوصول لأرضية مشتركة نحو وطن حقيقي يضم كل أبناء مصر تحت مظلة واحدة للانطلاق نحو مصر الجديدة.
جلسات "الحوار الوطني" التي يشهدها مركز المؤتمرات بمدينة نصر تؤكد رؤية الرئيس في الفترة القادمة نحو تحقيق نظام عادل يتولد عن عملية ديمقراطية حقيقية ومستمرة، تتيح للكفاءات الغائبة، أو المغيبة أن تتبوأ مكانتها، وأن تتواجد في السلطة، بل تقود وتتفاعل، نظام لا يتجاهل الشباب والمرأة وكل فئات المجتمع من العاملين، نظام لا يميز بين الوجوه من بني مصر على اختلاف أديانهم وعقائدهم، نظام لايمنح عطايا للأغنياء، أو يدوس على الفقراء ويتجاهلهم، نظام يعطي الكفاءة أوالقدرة وحدها المكانة العليا.
ومن أجل تلك الغاية، فوسيلتنا هى الحوار الحقيقي والجاد الذي يحقق معادلة الفصل التام بين أن تكون السلطة أداة لتكوين الثروة، فمن يسعى للثروة عليه أن يغرب بعيدا عن وجوهنا، وألا يفكر برهة واحدة أن يكون جزءا من السلطة، وعليه أن يركز على أعماله الخاصة، ولهذا ضمن الرئيس في ثناييا دعوته للحوار الوطني في أبريل 2022 أن السلطة خدمة وتجرد، لاتتيح لصاحبها مكانة أو ميزة لمواطن على حساب أي مواطن آخر، بل إنها لن تمكنه حتى أن يكون جزءا من مكون الثروة معتبرا أن إذا وصلنا إلى هذا الحد من الطموح ستكون لنا مؤسسة برلمانية وسلطة حقيقية للشعب، تشرع لما يحتاجه ، وتحكم عبر اخيتار حكومة معنية بخدمة الجماهير العريضة، وسوف نراقبها مع أبناء الشعب في كل أعمالها ونحاسبها إذا أخطأت.
النقطة الجوهرية في المحور السياسي للحوار الوطني تركز على النظام الانتخابي القوى والمستقر والذي من شأنه أن نختار "محليات" تدير كل مناحي الحياة في مصر، وتخلصنا من أزمة الإدارة التي تكتنف كل شوارعنا وقرانا وأحيائنا ومدننا، ومن تجارب السنوات الثماني الماضية أدرك الرئيس السيسي جيدا، أن الحكم المحلي القوي والفعال هو مستقبل مصر الحقيقي، فمصر لاتحكم وهى حوالي 120 مليون كما كانت وهى (10 - 15 - 20 مليون)، تلك هى البوتقة القوية للمصريين، حكم محلي عال وقوي ومتجدد عبر شباب مصر ورجالها ونسائها ومفكريها، وربما كان ذلك محط أنظار المشاركين في (الحوار الوطني) الحالي.
وفي النهاية إذا كان لنا أن نقول أن هناك فريضة غائبة في السلطة في مصر فهى (الحكم المحلي والمحليات) التي شاخت وتراجعت طويلا، فتدهورت قرانا وأحيائنا، ومدننا التي كانت مضرب الأمثال في ثلاثنيات القرن الماضي، بعدما خلقت مركزية القاهرة المقيتة، وإذا كتب النجاح للحوار الوطني - بتعاون كل الأطراف - في وقف استخدام المال والنفوذ والرشوة وجبروت البعض في اختيار قيادتنا ونوابنا في مؤسساتنا المنتخبة، وأفرزنا الاختيار الصحيح والتمثيل الحقيقي للمواطن وللشعب، فمعنى هذا أننا على وشكك تحقيق الهدف الأسمى هو أن الشعب يحكم نفسه بنفسه، ويعد هذا أساس الدعوة للحوار الوطني للانطلاق نحو مصر الجديدة.