انتهيت مؤخرا من قراءة رواية "ليلى وفرانز" للكاتب محمد على إبراهيم، والصادرة عن دار العين للنشر، ولم تكن هذه هي قراءتي الأولى للرواية، فقد قرأتها من قبل "مخطوطة"، لكن بالطبع فإن قراءة العمل بعد صدوره واكتماله شيء مختلف، حيث تتضح الصورة كاملة وتتحدد المصائر، وما أدراك ما المصائر.
تطرح الرواية عددًا من القضايا الفنية والمجتمية المهمة، والتي تكشف في مجملها جزءًا مهما من تطور المجتمع المصري، ومن تطور شخصياته، ومن التركيبة التي يتشكل منها الآن.
وتطرح لنا الرواية قضية أخرى مهمة ترتبط بالآخر الغربي ونظرته للشرق، وهل اختلفت عن نظرة المستشرق القديم أم أنها ثابتة لا تتغير؟
وقضايا أخرى عديدة ستتضح مع القراءة، منها: الصراع فى الرواية؟
يمكن القول إن العنوان (ليلى وفرانز) به صراع معين، فاسم عربي بجانب اسم أجنبي، يستدعي تاريخا من الاستشراق، وتاريخا من الصراع بين الشرق والغرب، وحتما يثير العنوان تخيلات قبل القراءة، أولها أن ليلى هي من ستذهب إلى بلاد "فرانز" وأنها ستلقنه درسا فى الأخلاق والمحافظة على القيم.
لكن ذلك لم يحدث، بل سنجد أن وجود الاسمين على الغلاف بهذه الطريقة يحقق عادة عربية قديمة ترتبط بقصص الحب القديمة( قيس وليلى) ومن قبلهم (عنترة وعبلة) وهي عادة عربية ترتبط بالعقلية العربية، وقياسا عليه نحن أمام قصة حب تجمع بين ليلى وفرانز، رغم اختلاف الحضارات، وعليه فإن أول صراع نقابله فى الرواية صراع "رومانسي".
صراع آخر يتمثل فيما يخوضه كل من (ليلى وفرانز) مع الفقد، نعم هما يبحثان عن الاكتمال معا، لكن كل منهما عانى الفقد من قبل، فرانز فقد والده، وكان قد فقد عاطفته بأمه من قبل، وفقد إصبع يده، كما أنه يملك أنفا ضخما يجعله "غاضبا" فى بعض الأحيان.
وفقدت ليلى الكثير، فقدت أخيها الوحيد وأمها فى ليلة واحدة، وفقدت الأخطر من ذلك، فقدت إيمانها، وكما نعلم فى بيئتنا العربية فإن الإيمان هو ما نعول عليه كي نهرب من شقائنا، وبدونه نعاني ونعاني.
هذه المعاناة القادمة من الفقد لم تمر مرور الكرام، بل إنها شكلت كل شيء، وجعلت من ليلى وفرانز يبحثان عن نقطة أمان، ومن خلالها تمت هيكلة كل شيء.
لم يكن فرانز يشبه المستشرقين في شيء، ليس شخصية متعالية، وصاحب عقل متفتح متقبل للتغيرات، ومتقبل للآخر، وقد أحسن محمد على إبراهيم إذ جعله من "أيسلندا" بلد عانت من تحكم الآخر مثلما عانينا تماما، كما أنه جاء إلى مصر محملا بالحب، فقد كان والده والحلم الذي يطارده يشكلان رؤيته لمصر الفرعونية القادم لرؤيتها، لم يكن صعب المراس، بل كان بسيطا ساعيا للتعرف على العالم الجديد، بالتالي نظرنا إليه بصفته غريبا وليس استعماريا.
ليلى أيضا لا تشبه البنات العاديات، فإن تربية الشيخ محمد حسن، قد أنتجت فتاة تثق فى نفسها وتملك عقلا يجعلها متزنة، تجيد لغة أجنبية، وتعرف الكثير عن حضارة بلدها، لم تتعامل مع الغريب بخوف بل تعاملت معه بوصفه إنسانا مختلفا بعض الشيء لكن هناك نقاط عدة تجمعهما.
كل هذه الصراعات النفسية والاجتماعية بين ليلى وفرانز، هي أمور تمهيدية تساعد على فهم الشخصيات والبيئة التي جاءا منها، لكن الغرض الأساسي من الصراع شكل الربع الأخير من الرواية وتمثل فى الخلية السرطانية "تاليا" التي كشفت لنا وجهها فى أول الرواية لكن لم نهتم بها، ولم نتوقع شراستها، ولا خطورتها.
لقد وقفنا عاجزين، وراحت تاليا تسيطر على الأحداث.
كانت النهاية فى الرواية رومانسية تماما، لأن عودة "فرانز" لزيارة مصر ، قد يفهمه المؤمنون بنظرية المؤامرة أنها تعنى استيلاء فرانز على إرث ليلى خاصة أن الشيخ محمد حسن لم يكن له أبناء سوى ليلى، وشقيقه جابر ليس له سوى صفاء، لكن محمد على إبراهيم لا يقصد ذلك، لأنه من البداية أخرج "فرانز" من طبقة المستعمر أو المستشرق، وجعله امتدادا وانتماء لليلى ومحمد حسن.
وشخصية الشيخ محمد حسن تحتاج وقفة، فقد أجاد محمد على إبراهيم فى تقديمه، وراهن على شخصيته فى صنع التوازن النفسي فى الرواية، قد تكون شخصية "نموذجية" بعض الشيء مؤمنة صابرة محتسبة حالمة بلقاء الله، لكنها موجودة فعلا، ومهمة جدا، فهي بمثابة معيار على أساسه نقيس انحرافات الآخرين.
وبناء الرواية على أساس الأصوات، يؤكد لنا أننا فى مواجهة رواية وليست حكاية، كما أن توزيع الصفحة واقتسامها أحيانا ومنح صوتي ليلى وفرانز نفس المكانة والزمنية، داال أيضا على أننا فى مواجهة "رواية" وليس أي نص أدبي آخر.