تمر اليوم ذكرى رحيل الشاعر الكبير أمل دنقل، أربعون عاما تمر إذ توفى في 21 مايو من سنة 1983، وترك خلفه شعرا واسما كبير في الشعر العربي، ورؤية واضحة لا نزال نتأملها.
كان أمل دنقل شاعرا يملك عيون زرقاء اليمامة، يبصر أكثر مما يبدو، ويرى حالنا واضحا أمام ناظريه منذ قديم، يتنبأ بما سيصيبنا من هزائم وانكسارات، وهكذا يكون الشاعر الحقيقى المهموم الذى لم يكن أبدًا بوق سلطة ولا مبرراتى للحكومات ولا متربصًا بأحد، لكنه مهموم بما يراه أمامه يقرأ واقع مجتمعه ومستقبله.
وفى ذكرى رحيله التى تمر اليوم نجد أنفسنا أمام حقيقة تحتاج بعض التوقف، فأمل دنقل بسبب عمره القصير «40 عاما» لم يترك لنا سوى 6 دواوين شعرية، لكنها كافية لتصنع أسطورة شاعر ما زال الناس بعد وفاته يرددون أشعاره وسيظلون يفعلون ذلك، وعليه فإن لا علاقة بين الشعر الحقيقى والكم، فهناك العديد من الشعراء الذين خلفوا المجلدات التى لا تنتهى وكتبوا المجموعات الشعرية التى لا يعرفون عددها، لكنهم مروا فى حياتنا كأنهم قبض ريح، ومعنى أن يردد الناس الشعر لا يعنى أنه كلام سهل أو مباشر يحكى عن حياتهم، لكنه يعنى أنه يمس أرواحهم فيبذلون الجهد الكبير فى القراءة والحفظ والتعايش مع الصورة والرمز واستدعاء الروح الشعرية، وكل ذلك تفعله قصائد أمل دنقل، فيتوقف الناس معه عند قوله فى قصيدة «من أوراق أبى نواس» «كنتُ فى كربلاء/ قال لى الشيخُ: إن الحسين ماتَ من أجل جرعةِ ماء/ تساءلتُ كيف السيوفُ استباحَتْ بنى الأكرمين/ فأجاب الذى بصَّرَتْهُ السماء/ إنّه الذّهبُ المتلألئُ فى كلِّ عين».
نحن اليوم نتذكر أمل دنقل لأنه شاعر استثنائى فى حياتنا ومثّل حلقة مهمة فى تاريخ الإبداع العربى، جاء من بلاده البعيدة فى الصعيد مع رفيقيه عبد الرحمن الأبنودى ويحيى الطاهر عبد الله، ليقدموا المختلف فى عالم الكتابة، وأصبح بعد ذلك علامة بارزة فى الكتابة الشعرية «قلت: فليكن العقل فى الأرض/ تصغى إلى صوته المتزن... ورأيت ابن آدم وهو يجن/ فيقتلع الشجر المتطاول/ يبصق فى البئر يلقى على صفحة النهر بالزيت/ يسكن فى البيت/ ثم يخبئ فى أسفل الباب قنبلة الموت/ يؤوى العقارب فى دفء أضلاعه/ ويورث أبناءه دينه.. واسمه.. وقميص الفتن.