تعرف المحطات المفصلية بعد المغادرة، لا بمجرد الوصول، وكذلك الأحداث الفارقة تكون بمفاعيلها وليست بشهادة الميلاد، وينطبق ذلك على القمم العربية.
مثلما كانت «الخرطوم 1967» بلاءاتها الثلاثة التى استمدت الحياة ممّا جاء بعدها من تضامن حتى حرب أكتوبر 1973، أو ما عانته قمة «بيروت 2002» بالعجز عن إحداث اختراق فى القضية الفلسطينية، رغم إغراءات مبادرة السلام العربية لإسرائيل واستمرار التمسّك بها حتى الآن، من تلك الزاوية ربما تظل «قمة جدة» الأخيرة قيد الاختبار لأبعد من مُهلة الرئاسة السعودية للدورة 32 للجامعة، لكن ذلك لا ينفى عنها الاستثناء بالكلية، ليس من ناحية الوصف الإجرائى، إنما بالأثر الذى أحدثته فى عدّة ملفات إقليمية مُلتهبة، وفيما تجلّى فيها من استجابة ناضجة للتحولات المحيطة، وما وفّرته من قاعدة صالحة للبناء عليها الآن، وفى المديين القريب والمتوسط.
تبدو «قمة جدة» عسيرة المخاض، وفق منطق الولادة اللاحقة، لكن الظرف الذى جاءت فيه، ونضج الإرادات الفاعلة وراء مشهدها الجامع: من القاهرة والرياض وعمّان وبغداد وغيرها، تدفع الجسد العربى الثقيل خطوة واسعة على طريق الأمل. صحيح أنها تأتى فى وقت دقيق، ومع حزمة ملفات مُشتعلة وقضايا مُعقدة، لكننا اعتدنا ذلك فى القمم السابقة، إذ يكاد يخلو سجل العرب من التئام تحت ظروف طبيعية أو دون ضغوط وتحديات قاسية. تأسّست الجامعة فى أجواء اضطراب دولية تلت الحرب العالمية الثانية، ثم اصطدمت بعد ثلاث سنوات بنكبة فلسطين، وما تزال واقعة فى أسر نارها التى لا تنطفئ، ومنذ الخمسينيات تتابع: العدوان الثلاثى على مصر، ثم ثورات التحرر فحرب اليمن، وبعدها هزيمة يونيو ومعارك التحرير، والحرب العراقية الإيرانية واتفاقية السلام ونقل المقر، ثم الحرب الأهلية اللبنانية وغزو الكويت فاحتلال العراق، وحرب الجنوب اللبنانى وصولًا إلى فوضى الربيع العربى وما تلاها من احتدام واختبارات مُزعجة. لأكثر من 77 عامًا لم يكن العمل العربى نزهةً فى بستان، ومن الطبيعى ألا يكون كذلك الآن وسط سياق عربى ودولى يرتفع منسوبه إلى ما يتجاوز الأضواء الحمراء.
المعركة فى ساحات أخرى
فى الواجهة، تحضر سوريا والسودان وفلسطين واليمن وليبيا ولبنان، ليس لأنها الأزمة الحصرية من توتر المشهد العربى الراهن، إنما لأنها حالة السخونة التى تُهدِّد القِدر المُغلقة على لائحة مشكلات طويلة بالانفجار، وليس من مصلحة أحد أن تتفلَّت قضية خارج البيت، مهما بدا وزنها النسبى ضئيلاً أو محدود الأثر فى واقع المعادلة الإقليمية ومُستقبلها. التحدّى الأكبر فى الإمساك بخيوط الملفات المفتوحة قبل انزلاقها إلى مُستنقع «الدول الفاشلة»، لكن دون إغفال حقيقة أن المعركة الجوهرية ربما تكون فى ساحات أخرى. لا يمكن إنكار أن بواعث الانفلات أكثر من حصرها فى سبب، إذ تتسع وتتنوع حسب الجبهات الساخنة، وفى الأخير لا تخلو من مُحفّزات داخلية وخارجية، ورخاوة فى المؤسَّسات، ونزاعات أو أطماع لدى الفاعلين فى كل مشهد، لكنها جميعًا لا تبتعد كثيرًا عن الاقتصاد، أو على الأقل يمكن علاجها بهذا الدواء، بعدما تتوافر أسباب العزل عن الميكروبات العابرة للجغرافيا الوطنية.
سؤال العرب المُلحّ لا جواب عنه إلا من كتاب التنمية.. المنظومة المتربعة على نحو 10% من اليابسة وبما يقارب 6% من سكانها، مع مُدوّنة مزايا طويلة: قرابة 12 ألف كيلومتر من الأنهار، وضعفها شواطئ على محيطين و3 بحار و4 خلجان و4 مضائق وممر استراتيجى «قناة السويس»، وثراء بيئى وأقاليم مناخية متنوعة وموارد تفوق الحصر، ونحو ربع الإمدادات النفطية العالمية، وثروة بشرية مع فرص استثمار فى عشرات المجالات الحيوية، رغم ذلك لا تتجاوز حصتها 3.4% من ناتج العالم، و4.6% من التجارة.. 72% من الصادرات مواد أولية مقابل 65% واردات مُصنّعة، وتداولات بينية لا تتجاوز 17% من تجارة المنطقة، يتركز 84% منها فى مصر ومجلس التعاون الخليجى. تستحوذ 5 دول على 77% من الصادرات و5 على 72% من الواردات. بصورة مُجملة تبدو المعادلة بكاملها مُختلة أمام المحيط الخارجى، وداخل هذا الخلل مستويات أعمق من غياب التكامل والخطط التنموية المشتركة والإفادة المتبادلة، سعيًا إلى تعزيز العوائد الممكنة فى مجال بهذا الاتساع من الجغرافيا والبشر، أى إجابة عن الامتحانات القائمة والمُحتملة من خارج الاقتصاد قد لا تصمد طويلاً للأسف!
إعادة بناء البيت
الواقع أن تفاعلات القمم الأهم تدور بين الكواليس وفى اللقاءات الثنائية. الأمين العام قال إنهم لطّفوا بعض القرارات لتحفيز القوى الإقليمية صاحبة التشابك مع العرب على انتهاج مسارات أنضج، والقمة اعتمدت عنوان «التجديد والتغيير»، فى إشارة إلى ترميم البيت بالتوازى مع ابتكار أبنية أكثر تطوّرًا. ربما يتطلّب هذا الرهان نظرةً إلى برمجة المؤسَّسة وإعادة هيكلة ركائزها القديمة.. بُنى العمل العربى قبل ثمانية عقود على ميراث الهوية المشتركة وتطلُّعات الاستقلال، وارتكز لاحقًا إلى تعاضد الجغرافيا وفائض من الخطابات القومية التعبوية. لم نفقد كل تلك الأسباب بعد، وربما باتت أكثر أهمية فى عالم تقوده صراعات الثقافة وما تصبغ به الاقتصاد قبل أى مُثير آخر، لكن صلاحية تلك الروابط لا تنفى الحاجة الضرورية والعاجلة إلى تطويرها بصياغات عصرية، وتمتينها بوشائج أكثر صلةً بالتحديات الطارئة، بُغية سدّ الثغور ورفع مناعة الجسد وسط أجواء من الاستقطابات الإقليمية والدولية. اختبرنا أثر الغياب أو التأخير فى ليبيا واليمن والعراق، ونختبره الآن فى السودان ولبنان وسوريا، ونحتاج أن نعبر تلك الاختبارات بأكبر من درجة الرسوب، إن كانت العلامة الكاملة عسيرة علينا الآن، قبل أن تنفتح فى وجوهنا جبهات أخرى، ولو بصور أقل خشونة.
قدّمت كلمة الرئيس السيسى توصيفًا دقيقًا لواقع الأزمات العربية، وجدّدت التأكيد على ثوابت مصر فى إعلاء قيم التضامن والعمل المشترك، وأن الحلول يجب أن تكون نابعة من إرادة داخلية تُؤمن بوحدة دوائر الأمن القومى وتعمل على ضبط الإيقاع مع الأطراف المحيطة، واضعًا قضايا فلسطين والسودان وليبيا واليمن وسوريا فى المقدمة، وداعيًا إلى عدم إغفال أهمية المسارات الاقتصادية فى تفكيك المُشكلات وإثراء الفاعلية العربية. بالمثل لم تختلف أغلب كلمات القادة المُشاركين، لتكون الفحوى الأخيرة شعورًا عريضًا بالحاجة إلى تطوير أُطر التكامل، ورفد السياسة بالاقتصاد والتنمية. يعلم الجميع أن المنطقة محطّ أنظار بما يُرشّح اشتباكاتها للتصاعد، إذا لم يُدر أعضاؤها حركتهم داخل الغابة المُتشابكة بقدرٍ من الحكمة والبصيرة، وعلينا ونحن نبحث عن موقع فى المعادلة الدولية الجديدة ألا نتغافل عن مواقعنا داخل البيت العربى: أوّلاً لأن انضباطها يترتّب عليه تلافى إهدار الفُرص وتعزيز القدرة الإجمالية للعرب أمام العالم، والأهم حتى لا تُؤتى المنطقة من مأمنها، أو تُستغل بعض الثغور المفتوحة ضدّها.
تصحيح البرهان وعودة الأسد
تخلّف «البرهان» عن القمة، وبالتزامن أصدر قرارات مهمّة شملت إقالة قائد «الدعم السريع» وترفيع عضو مجلس السيادة وقائد الحركة الشعبية مالك عقار نائبًا بديلاً لرئيس المجلس، إضافة إلى باقة تعيينات عسكرية مُؤثّرة فى تراتبية القيادة، كأننا إزاء محاولة تصحيح لمسارٍ كان مُغلقًا على تناقضات عالية الخطورة. المفاوضات السابقة على فعاليات القمة خفّضت منسوب التوتر فى السودان نسبيًّا، لكن ما تزال الأزمة بعيدة عن الحل حتى الآن، وخلفية «عقار» تبدو مقصودة بالنظر إلى عقلية «دقلو»، ما يُرشّح الأمور لمزيد من الاحتدام فى المدى القريب، إذا أُضيف ذلك إلى سخونة أجواء اليمن وقلاقل الصومال وتوترات جيبوتى مع إريتريا فإن مياه البحر الأحمر، من باب المندب إلى سواحل «جدة»، تبدو فى حالة فوران. حاولت قرارات القمة وإعلانها علاج تلك النقاط إلى جانب عناوين أخرى فى ليبيا ولبنان وسوريا والعراق وجزر القمر. أكثر من ثلاثين قرارًا تضمّنها البيان الختامى منها نحو تسعة عشر تتصل بأزمات مُلحّة، و3 تُفتش عن دعم ومساعدات عاجلة لبيئات مأزومة تتعطّش للفرص الحقيقية أكثر من المال السهل، مقابل أربعة فقط بحثت ملفات التعاون فى النقل والسياحة والاتصالات والتجارة الحرة. لا شك فى أن التحديات تفرض نفسها، لكن المُخرجات قد تُشير إلى حاجة حقيقية لإعادة النظر فى توازن الأولويات.
أطل «الأسد» بعد اثنتى عشرة سنة على سحب المقعد من تحته، وعشرة غيابات عن المحافل العربية الجامعة منذ «سرت 2010». بدا مُتصالحًا مع المشهد الراهن ومُتجاوزًا رواسب الماضى، حتى عندما طالبته «قمة الدوحة 2013» بالتنحى عن السلطة مع وعدٍ بالخروج الآمن. لم تتورّط كلمته الموجزة فى الإنشاء أو التشنُّج، بقدر ما طرحت رؤىً مُتماسكة عن جوهر العمل العربى وما يجب أن يكون عليه، وعن رفض التدخلات عابرة الحدود والانحياز لأن تكون الجامعة منصّة احتواء لا عقاب، لكن أهم ما قاله مُلخِّصًا حال سوريا أنه «قد تذهب إلى أحضان أخرى لأسباب، لكنك لا تُغيّر الانتماء»، إذا وُضعت تلك الصيغة فى جوارٍ ناضج مع قرارات القمّة الداعية لفض عراك الأيادى الخارجية وخروج كل القوات من أرض العرب، قد يحمل الأمر رسالة طمأنة من دمشق للأشقاء بأن ما يقلقون منه يمكن تجاوزه، وإن فرضته قيود الماضى فإن براح المُستقبل لن يستحيل عليه إنجاز الانعتاق منه.. العقبة فى موقف واشنطن المتشدد تجاه العودة، نظريًّا لا يمكن صرف الذهن عن أن تفاهمات «عربية أمريكية» سبقت لقاءات جدة وعمّان وإلغاء تعليق العضوية. الأرجح أن رسائل مبعوثى البيت الأبيض المُتشدّدة تجاه النظام السورى مُجرّد مُحاولة ضغط لتحسين شروط العلاقة، وحتى إقرار قانون «مُعاقبة التطبيع مع الأسد» من لجنة العلاقات الخارجية يمكن أن يتعطّل فى مجلس النواب، أو يسقط أمام الأغلبية الديمقراطية فى «الشيوخ»، وإن أفلت دون تعديلات جوهرية تنزع مخالبه فإن «بايدن» بإمكانه تجميده، كما فعل أوباما مع «قانون قيصر» منذ 2016 حتى وقعه ترامب فى 2020.. ليس من مصلحة واشنطن أن تصطدم بالإجماع العربى، لا سيّما مع خطوط مُنفتحة على خصومها فى موسكو وبكين. هكذا يبدو أن العرب باتوا يجيدون المناورة أخيرًا.
توازنات دولية وتفاهمات ناضجة
فتح الاتفاق السعودى الإيرانى بابًا عريضا للتهدئة، من المُتوقع أن يدلف منه لبنان واليمن والعراق، حتى مع تعقيدات النزاع المسيحى الشيعى رغم الشغور الطويل فى قصر بعبدا، أو اعتياد الحوثيين أن يكونوا قاعدة مُسيّرات وصواريخ فى اتجاه واحد، أو نزاعات التيارات السياسية التى قد تكشف عن ضيق الوكلاء والمتربحين من توجهات شيّاع السودانى الوطنية.. تلطيف الجوّ ضرورة تؤمن بها الرياض وتحتاجها طهران وتنتظرها خمس عواصم مُحيطة على الأقل. الجبهات الساخنة لم تعد تحتمل ارتدادات لعبة شدّ الحبل، ودول الخليج تستهدف تحصين طفرة الاقتصاد وخطط التنمية والانفتاح السياسى بتبريد الساحة الإقليمية. يمكن أن تتلاقى مصالح كل الأطراف حتى مع إدانة القمة للتدخلات الخارجية فى العراق وسوريا وليبيا واليمن، إذ تعلم الأطراف المُتدخّلة أنها قوة أمر واقع لا تغطّيها أية مشروعية، وليس فى وسعها أن تواصل الصدام مع محيطها القريب بعدما تعقدت أوضاعها على محاور أخرى وداخل حدودها. تسمح التوازنات الحالية بتعليق الأجراس فى رقاب أصحابها دون أن ينعكس ذلك صخبًا مُقلقًا لهدوء المنطقة، لكن يظل المهم أن تتحصّن تلك الحالة الناشئة بما هو أكبر من الوعود وأحاديث البروتوكول، ولا سبيل إلى ذلك إلا بلضم الخريطة فى خيط اقتصادى ينظم الجميع، ويُعظّم مكاسبهم، ويجعلهم أصحاب مصلحة مُباشرة فى تبنّى عناوين الاستقرار ومضامين السيادة والاستقلال.
وفّرت القمّة منصّة للرئيس الأوكرانى كرر من خلالها اتهاماته لموسكو، وحاول استمالة العرب عاطفيًّا، وفى الوقت نفسه تلقّت برقية من «بوتين» يُؤكّد فيها عزمه على العمل الجاد لتسوية أزمات المنطقة، وتطوير العلاقات، ومواصلة توسيع التعاون مُتعدّد الأوجه. استقبال الرئيس الأوكرانى رسالة مزدوجة: تقول لواشنطن من جانبٍ إنه لا قطيعة ولا تخلّ عن الشراكة الاستراتيجية، مع احترام لأولوياتها فى بعض الجبهات، وتُرسّم من جانبٍ آخر شكل العلاقة مع الحليف الروسى على قاعدة من الاستقلال والندّية وأنه لا عقود إذعان وعليه أن يتقبّل من الشركاء العرب مواقف قد لا تُعجبه أحيانًا.
الخروج من زمن الشعارات
واقع الاقتصاد العربى المشترك ليس على ما يُرام، فالتجارة محدودة والاستثمارات المباشرة تكاد لا تُرى، بينما يُمكن ترقية المؤشِّرات الحالية بكُلفةٍ زهيدة وعوائد مُغرية، أهمها الأثر السياسى والجيو-استراتيجى.. ضرب العاهل الأردنى بـ«الشام الجديد» مع مصر والعراق مثالاً على الآفاق التى يمكن ولوجها إقليميًّا، ولا يُمكن تجاهل تجربة مجلس التعاون، والبناء على تلك الصيغة وإعادة استنساخها فى مستويات أوسع ربما تكون الضمانة المُستقبلية المطلوبة داخل المنظومة العربية. سقطت أوهام القومية الجامعة على صورتها القديمة، رغم ما استهلكناه فيها من خُطب وشعارات، ولم يعد مطلوبًا أن يتّحد العرب عضويًّا، بقدر ما يحتاجون إلى تفهُّم اختلافاتهم واحترام تمايز المصالح والأجندات، مع استغلال التقاطعات المُتاحة وترقيتها بروافع اقتصادية وتنموية. إذا كتبت الجغرافيا واستقطابات الإقليم والعالم على المنطقة أن يُنظر إليها كجسدٍ واحد، فلا يمكن أن يتعافى عضو فيه إن تداعت سائر الأعضاء أو انقطع نبضها، ما يعنى أننا وإن افترقنا فى الوسائل فلا مفرّ من اللقاء على الغايات، أو بعضها، وهكذا فإن طموحات النهضة والتنمية واسعة المدى من طرف، تحتاج إلى حاضنةٍ مُكافئة وعلى درجة الوعى نفسها لدى بقية الأطراف. المُبشّر فى القمة أنها عكست إلمامًا عميقًا بالحالة، كما لو كانت الخريطة تستيقظ بعد نومٍ طويل، مُعزّزةً برؤية براجماتية عاقلة، لا بخطاب أيديولوجى لم يعد مُقنعًا لأحد، لكن مع التسليم بثِقل التركة وأنها لن تنحلّ بين ليلةٍ وضُحاها، فإن الخوف من تباطؤ الخَطو، بما قد يُراكمه من أعباء إضافية وظلال يُخشى أن تُعطل إنجاز المهمة المُستحدثة.
غاب رئيس الإمارات جسدًا وكلامًا، وحضر أمير قطر دون أن يتحدّث.. يشى المشهد بصيغة عاقلة من التفاهم كما حدث سابقًا فى تمرير عودة سوريا بالإجماع. النضج نفسه يُترجمه الدور المتوازن فى قلب أوراسيا، بين حضور زيلينسكى القمّة وعدم خسارة روسيا، أو الإشارة إلى القرار الأُممى 2254 بقصد مُضمر ينحصر فى المسار الانتقالى الدستورى، رغم أن واضعيه كانوا يقصدون به إخراج «الأسد» من المشهد.. يُمكن أن تُقرأ التفاصيل على أكثر من وجه، المهم أن نُجيد القراءة فى توقيتٍ مُنضبط وبما يُناسب مصالحنا. فى الخلاصة، تتقدّم قضايا اللاجئين والإرهاب والمخدرات وأمن الحدود، وهو منطق تُمليه الظروف، لكن أى اختراق على تلك المحاور لن يرسخ وتستقر دعائمه من دون ذخيرة اقتصادية وتنموية.. لطالما ذهبت ملفات العرب فى كل الوجهات الساخنة، ثم تكرّرت المشاهد نفسها أو ما يُشبهها بعد كل هَبّة من فرق إطفاء الحرائق القومية، فالحقيقة أن حظّ امتحاناتنا فى السياسة والأمن القومى، بينما يبدو أن الإجابات الناجعة والنهائية لا تتوافّر إلا فى كتب الاقتصاد.