سينما بطرس دانيال

هذا الرجل المثقف والفنان لم أتشرف بالتعرف إليه من قبل ولا تربطني به علاقة شخصية ولا أراه إلا في المناسبات العامة وخاصة المناسبات الاجتماعية عبر مصافحة عابرة، لكن أتابعه بشغف وإعجاب به من خلال رئاسته للمركز الكاثوليكي للسينما ومن خلال المهرجان السنوي للمركز. الأب بطرس دانيال.. رجل الدين العاشق للسينما وللفن بصورة عامة، وهو ليس مجرد عاشق فقط بل فنان موسيقي ومؤلف وعازف على الآلات الموسيقية، وهنا يلفت الانتباه والإعجاب وبعض الدهشة من الصورة غير التقليدية الذي يقدمها الأب بطرس لرجل الدين صاحب الاهتمامات الفنية والاجتماعية والإنسانية. أتابع مواقفه الإنسانية مع الفنانين الذين تعرضوا لأزمات اجتماعية وصحية، لا يترك فنانًا حتى يزوره بكل ما تعنيه الزيارة من معاني الدعم والمساندة والمساعدة في وقت يتخلى فيه "أصحاب الكار" عن زملائهم عندما تنحسر عنهم أضواء الشهرة والظهور. الأب بطرس دانيال لا تفوته أيضًا مناسبة اجتماعية في الأفراح والتعازي تراه حريصًا على المجاملة وتقديم الواجب وفي تلك المناسبات تراه مرحبًا به للغاية فعلاقاته الاجتماعية والإنسانية لا حدود لها سواء في مجال الفن أو خارجها. رئاسته للمركز الكاثوليكي ولمهرجان السينما مصدر ثقة وإعجاب فخر كبير من الوسط الفني والأوساط الاجتماعية، فهو المهرجان الحريص والملتزم بتقديم سينما ذات مضمون أخلاقي وصاحبة رسالة اجتماعية أو يما يتفق البعض على تسميته بـ"السينما النظيفة". فالمركز الكاثوليكي للسينما في مصر تأسس عام 1949، وبدأ في تنظيم مهرجانه الأول لاختيار أفضل الأفلام المصرية عام 1952، وفازت الفنانة "فاتن حمامة" بأول جائزة قدمها المهرجان عن فيلم "ليلة زفاف"، وتكرر فوزها أكثر من مرة في المسابقة السنوية التي يشرف عليها المركز الكاثوليكي. أما مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما، هو مهرجان سينمائي مصري، ويعد أقدم مهرجان سينمائي بمنطقة الشرق الأوسط، وأعرق المهرجانات السينمائية في مصر حيث بدأ عام 1952، ويعد من أقدم المهرجانات الفنية المحلية في مصر التي تقام سنويًا بشكل منتظم. ويحظى بتقدير كبير من جانب السينمائيين والفنانين المصريين وتكمن هذه الأهمية والخصوصية في أنه لا يمنح جوائز إلا للأفلام والأعمال التي تتميز بمستواها الفني الراقي والتي تدور أفكارها وموضوعاتها حول قضايا تهم المجتمع وتفيده ويكون لها تأثير ايجابي على جمهوره بعيدًا عن الأفكار الشاذة والموضوعات والأفكار التي يغلب عليها العنف ويغلفها إطار من الإثارة الفجة. لذلك لا يتخلف عن حضور دوراته -التي بلغت حتى الآن 71 دورة سينمائية- كل الفنانين الكبار والصغار وكل النقاد والمهتمين والمتخصصين في الفن السابع، من فاتن حمامة وماجدة إلى عادل إمام وحسين فهمي ويحيي الفخراني ومحمود حميدة وكثيرين وهو اعتراف بقيمة وأهمية هذا المهرجان الراقي الذي ينتقي الأعمال ذات المضمون الأخلاقي وذات الفن والجمال في الأداء والمعايير الفنية. أهم ما يميز المهرجان الكاثوليكي ويمنحه خصوصيته، هو المعيار الأخلاقي الذي حدده لاختيار الأفلام المشاركة في المسابقة، وهو أن يحمل الفيلم قيمًا إنسانية وأخلاقية، ما يعني استبعاد أي فيلم مهما كان مستواه الفني إذا تضمن أي مساس بالقيم الأخلاقية الإنسانية. كما يقول الأب بطرس دانيال: "المهرجان قائم على معايير أخلاقية وإنسانية وفنية في اختياره للأفلام، وهناك لجنة مشاهدة للمهرجان تشاهد جميع الأفلام التجارية التي تعرض ثم يختار منها المشاركة في المسابقة الرسمية. ولا يقبل أفلامًا بها استهزاء بالأديان، أو تؤيد حزبًا أو توجهًا سياسيًا ضد آخر، فالهدف أو الرسالة الذي يريد أن يوصلها المهرجان للجمهور هي رسالة للمجتمع تدعو للإنسانية وعدم السخرية أو الحط من شأن الآخر". واستمرار رئاسة الأب بطرس للمهرجان حافظت على أهدافه وقيمته وخصوصيته لدى الوسط الفني في مصر من منطلق رسالة المهرجان ومن جانب شخصي للأب بطرس رجل الدين الفنان، وبالمناسبة هو حاصل على ماجستير في الإعلام بدرجة امتياز من إحدى الجامعات الإيطالية عام 1998، ورسالة الماجستير كانت عن الموسيقى القبطية. الأب بطرس لا يتحفظ في آراءه التنويرية وفي مواقفه كرجل دين من السينما والفن عموما مستندا الى التاريخ، فالبابا بيوس الحادي عشر- بابا الكنيسة الكاثوليكية رقم 259 من عام 1922 وحتى وفاته عام 1939 - اكتشف مبكرًا أهمية الاكتشاف الجديد المسمى بـ "السينما" وجعلها في خدمة تعاليم السماء وتدعيم أخلاقيات المجتمع ، فأصدر رسالة خاصة عام 1936 تشجع المراكز الكاثوليكية في أنحاء العالم على مختلف أنواع الفنون . الأب بطرس دانيال لم يعوقه كرجل دين من ممارسة هواياته الموسيقية وعشقه للفن منذ صغره، فهو عازف ماهر على البيانو وصاحب صوت جميل ويتولى الاشراف على كورال الكنيسة، وقبل أن يتولى رئاسة مهرجان السينما في عام 2010 كان نائبا لرئيسه الأب يوسف مظلوم ولمدة عشر سنوات. وفي الدورة الـ71 الأخيرة استوقفتني كلمته خلال حفل توزيع الجوائز بالتأكيد على أن الفنان ليس بمعزل عن المجتمع، واللغة التي يستخدمها الفن هي نفس اللغة التي يستخدمها الدين ،لغة الرمز، ويجب أن نعي ذلك جيدا، إن الفن ليس نقيضا أو خصماً للدين،. فالدين والفن ينبثقان من نبع واحد، ويسعيان لتلبية مطلب واحد، ألا وهو رغبة الإنسان في الرقي والتسامح. ومن هذا المنطلق ،يستطيع الفن تغيير القبح والشر إلى جمال يزداد قيمته وبريقه كل يوم. والفن الجميل هو حوار مبدع بين الإنسان وخالقه ،وبواسطته يستطيع اكتشاف عظمة الله الفنان الخالق و المبدع، وجمال كل ما صنعه من أجل الإنسان... إن الفن للمجتمع وليس الفن للفن فقط لأن الفن رسالة اجتماعية وتربوية وإبداعية موجهة لأبناء المجتمع. مجمل الأمر فأنا أتحدث عن مهرجان سينما مصري حقيقي عمره 71 عاما للكنيسة الكاثوليكية المصرية يرتكز على قيم الحق والخير والجمال، وعن رجل دين فنان عاشق للسينما والموسيقى وللعمل الاجتماعي والإنساني.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;