تحول كبير تشهده الدولة المصرية في السنوات الأخيرة، في استغلال كافة مواردها، من أجل تحقيق طفرة تنموية كبيرة، وهو ما يبدو في العديد من المشروعات العملاقة، التي دشنتها، وآخرها افتتاح مجمع الكوارتز في العين السخنة، وهو ما يفتح الباب أمام فرص حقيقية للمستثمرين، سواء المصريين أو الأجانب، وهو ما يمثل امتدادًا للرؤية التي اعتمدتها الحكومة منذ ميلاد "الجمهورية الجديدة"، والقائمة في الأساس على تشجيع الاستثمار جنبا إلى جنب مع الالتزام بمعايير التنمية في صورتها الشاملة والمستدامة، حتى تتواكب في الخطوات التي تتخذها مع معطيات الحقبة الجديدة، والتي تتطلب اعتماد كل دولة على أدواتها المتاحة حتى يتسنى لها مجاراة الواقع الراهن، بما يقدمه من فرص وما يحدق به من أزمات تحتاج إلى التكامل مع العالم الخارجي، حتى يمكن مجابهتها.
وبين الفرص المتاحة والأزمات المحدقة، والتي باتت تمثل تهديدًا لجميع القاطنين على الكوكب، باختلاف دولهم وأجناسهم، في ظل التغييرات التي يشهدها الواقع العالمي الجديد، نجد أن ثمة مسارين متوازيين تبنتهما الدولة المصرية، يعتمد أولهما على إعادة استكشاف الداخل وإمكاناته وموارده، مع العمل على إعادة هيكلتها مجددًا حتى يمكن تحقيق أكبر استفادة ممكنة منها، وهو ما يؤهلها نحو اعتماد المسار الثاني، والقائم على تحقيق التكامل مع الدول الأخرى، والذي يقوم في الأساس التحول من حالة التواكل على ما تقدمه الدول الكبرى المانحة، والتي هيمنت على سياسات الدول النامية لعقود طويلة، نحو التطبيق العملي لمبدأ "الشراكة"، والذي لم يعد مرهونًا بمواقف سياسية معينة، وإنما بما تمتلكه الدولة من مقومات يمكن الاعتماد عليها في خدمة محيطها الدولي والإقليمي، وبالتالي يمكن التعويل على دورها في خدمة الاستقرار في مناطقها ومحيطها العالمي، بدءً من الداخل.
ولعل الدولة المصرية قد انتهجت، في مساراتها سالفة الذكر نهجًا متعدد الأبعاد، ينطلق من إعادة اكتشاف مكامن القوة، والتي ربما عانت من الإهمال، إلى حد النسيان، على غرار الكوارتز ومن قبله الرمال السوداء والغاز، مما يضفي عليها ميزة القدرة على الاعتماد على الذات في عملية إعادة البناء، بما يتواكب مع المعطيات الجديدة، بينما ترتكز في بعد آخر على عامل "الأسبقية"، في ظل استباقها لمحيطها الإقليمي، في استكشاف مواردها، وهو ما يساهم في "تصدير" تجربتها، في إطار من التكامل الدولي والإقليمي، والذي يمثل أولوية في الحقبة الراهنة، وهو ما يمثل وجها آخر للاستثمار.
فلو نظرنا إلى مجمع الكوارتز، والذي افتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا في العين السخنة، نجد أن أهم ما يميزه، إلى جانب إحياء مورد جديد من موارد مصر "الميتة"، هو عنصر "السبق"، على اعتبار أنه الأول من نوعه في إفريقيا، وهو ما يعني إمكانية استلهام، أو بالأحرى تصدير التجربة المصرية في محيطها الافريقي في المستقبل، والاستفادة بخبراتها لتحقيق التنمية القارية على المستوى الجمعي، مما يثرى الدور الذي تلعبه الدولة المصرية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مناطقها الجغرافية، وبالتالي زيادة الثقة الدولية في قدرتها على القيام بدور أكبر على المستوى الدولي مع انطلاق حقبة جديدة تحمل نهجًا تعدديًا بعيدا عن الأحادية المطلقة التي هيمنت على العالم في العقود الأخيرة، ناهيك عن دورها القيادي الناجم عن أسبقيتها في التعاون في هذا المجال أو غيره، عبر خلق المنتديات، على غرار منتدى غاز شرق المتوسط، والذي تأسس عبر ثلاثة دول، وهي مصر واليونان وقبرص، ليتحول بعد ذلك نحو العالمية، حيث يضم في عضويته العديد من الدول الاخرى.
ولعل اعتماد الدولة المصرية على مواردها لتحقيق التنمية الاقتصادية، في ذاته بعدا مهما من أبعاد الرؤية المصرية، في ظل تقديم نفسها، ومناطقها، أمام العالم، باعتبارها قادرة على تحقيق التكامل في محيطها، مما يساهم في توسيع دائرة الشراكة من الإقليم الضيق إلى النطاق العالمي الاوسع، وهو ما يصب في صالح الدول والشعوب، سواء في إفريقيا أو الشرق الأوسط.
وهنا يمكننا القول بأن الرؤية المصرية لا تقتصر على تحقيق التنمية في الداخل، وإنما تتميز بقدرتها على تحقيق التكامل بين أهدافها في الداخل، والتكامل مع مناطقها الجغرافية، بحيث تنتقل دائرة التنمية إلى المستوى الإقليمي في صورته الجمعية، وهو ما يضفي المزيد من الزخم للدور الذي تلعبه مصر دوليا في المرحلة الراهنة، في ظل المخاض الذي تشهده الحالة الدولية تمهيدا لحقبة جديدة تبدو في حاجة لأدوار العديد من القوى الفاعلة، لاحتواء أزمات مركبة، تحمل أبعادًا مركبة، لن تستطيع قوى بمفردها مهما بلغت إمكاناتها التعامل معها بمفردها.