في مشهد سينمائي شهير للفنان عبد الحليم حافظ من فيلم معبودة الجماهير ، يقف على خشبة المسرح ليغني لكنه يقابل بوابل من السخرية والقفشات لكونه ارتبط بعلاقة عاطفية مع نجمتهم المفضلة ، لكنه يصبر ويخاطب عقولهم وقلوبهم حتى يقيّموا موهبته تقييما عادلا ، هذا المشهد يجسد ببراعة حين يصاب الجمهور بالغضب ويقضي على أي فنان مهما كانت موهبته إلا لو كان يملك ذكاءً ومقدرهً على تجاوز مثل هذا الموقف ، وهذا الغضب يمتد أحيانا حين يعبر الفنان عن مواقفه السياسية أو مواقفه الكروية أو يظهر بما لا يليق وبما هو مستهجن ، لهذا حرص معظم الفنانين على الابتعاد عن السياسة وكرة القدم ، لكن البعض منهم لم يفعل في شأن مظهره !
لهذا ربما يلاحظ الكثيرون من المتابعين للفن والحياة الفنية أن بعض الفنانين يميلون إلى ارتداء ملابس قد تبدو غريبة أو مختلفة ، سواء في ألوانها أو تصميمها ، ومنهم من يحرص على أناقته في إطار قيمته الفنية ، فيكون مصدرا للأناقة وأجمل ما تنتجه الموضة بما يتلائم مع مجتمعه خصوصًا في الشرق وتحديدًا في بلادنا العربية.
كما نرى في الكثير من عروض الأزياء العالمية تصميمات غريبة لا يمكن لبشر ارتدائها ، وغالبا ما يكون السبب هو لفت الأنظار للعروض سواء من وسائل الاعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي ، لكننا أبدا لم نرها معروضة للبيع ، ولم نر أحد أقدم على ارتدائها ، لأنها تختص في الأساس بالمصممين والخطوط الجديدة التي يقدمونها كإبتكار قابل للأخذ منه ، ليستوحى منه تصميمات أو ألوان ، لكنها في النهاية غريبة ، أو كما يقول چورچ سيمونتون مصمم الأزياء والبروفيسور في معهد تكنولوجيا الموضة ، أن عرض الأزياء قد يتجاوز أربعين ألف دولار وتعرض فيه تصميات لا يمكن لأحد أن يرتديها فليس الهدف الوحيد بيع قطع الملابس وإنما الدعاية لكل مجموعة موسمية .
من هنا اتبع الكثير من الفنانين هذا النهج للفت الأنظار على اعتبار أنهم يحملون أحدث التصميمات وهذا ما نراه أيضا في مهرجانات السينما العالمية ، وأيضا المحلية ، لكن في بلادنا يحرص الفنان الذكي على الجمع بين ما هو حديث ومتطور ، وبين ما هو مقبول من الجمهور الذي لا يزال يميل معظمه إلى ما يتناسب مع قيمه وتقاليده .
لهذا حين يصاب الفنان بالشطط ويرتدي مالا يليق يعرض نفسه وفنه لفقد الكثير من شعبيته وجماهيريته ، فالمظهر هو أحد العناصر الأساسية والمهمة التي يجب أن يحرص عليها النجم ، وأن يفكر كثيرا قبل أن يُقدم على ما يثير مشاعر جمهوره ، وعليه أن يراعي الفترة الزمنية التي ينتمي إليها ، وأن يدرك أن الجمهور لا يرحم حتى وإن كان هذا الجمهور ينتمي إلى جيل الشباب ، وحتى لو كان الفنان ينتمي لنفس الجيل .
لهذا فان ما نراه اليوم من حملات هجوم على بعض الفنانين الذين يرتدون مالا يليق بهم ولا بمجتمعهم ، فهذا لأنهم تسببوا في صدمة للجمهور الذي أحبهم وشجعهم ودعمهم للوصول إلى تلك المكانة ، وانه يمكن يهزأ بهم ويقلل من شأنهم مهما كانت محبته لهم ، وأعتقد أن الجمهور المصري والعربي لا يمكن أن يتقبل ظهور رجال بملابس من الشيفون أو الشبك أو ما يمكن أن يوحي بمثلية الفنان أكثر مما يوحي برجولته .
الأمر لا يتطلب إلا الحرص والذكاء واحترام قيم المجتمعات العربية ، أما التشبه بالغير فنتائجه غير محسوبه ، وعلى من يفعل ذلك أن يتقبل أي رد فعل قاسي من الجمهور الذي دعمه وأحبه ، بينما الفنان استهان ولم يحسب له حسابا .