يُشكِّل قطاع الصناعة بتنوعاته المختلفة أهمية كبرى لوطننا الحبيب؛ فهو الدعامة الرئيسة للاقتصاد الوطني، والسبيل لتوفير فرص عمل لأبنائه، ورفع مستوى معيشتهم، وتحقيق رفاهيتهم، وكسب احترام دول العالم، وحجز مكانًا بين مصافّ الدول المتقدمة، وغيرها من العوامل التي دعت المسئولين في الدولة إلى الاهتمام بهذا القطاع، وتطويره، وإدخال المستحدثات التقنية فيه، والحرص على صبغ مخرجاته بمعايير الجودة العالمية.
وتسعى الجمهورية الجديدة إلى تحقيق النهضة الاقتصادية من خلال عديد من القطاعات، وفي أولوياتها القطاع الاقتصادي باعتباره رافدًا أساسيًا ومهمًا من روافد التنمية؛ فبواسطته تتوافر فرص العمل، وتحدث التنمية والاستثمار في الجانبين البشري والمادي؛ إذ تتحقق الحياة الكريمة للفرد والمجتمع، ويعم الرخاء في أرجاء البلاد، ونصل إلى مستوى الاستدامة التنموية المرجوة، والتي لا تتوقف عجلتها ما دامت الحياة.
ويعتمد قطاع الصناعة في تقدمه على درجة الابتكار التي يمتلكها أصحاب القرار ومن يمتلكون مهارات وفنيات العمل بهذا القطاع، بما يُسهم بصورة فاعلة في زيادة الربحية والقدرة على التنافسية، ويقوم ذلك على التنظيم الفعال، الذي يصعب أن ينفك عن المناخ الإداري الإيجابي والداعم للعمل الجماعي المتمثل في العلاقة الداعمة للروح المعنوية في بيئة العمل.
وتحرص القيادة السياسية على دعم قطاع الصناعة باعتباره بوابة النهضة لجمهوريتنا الجديدة؛ حيث الحث على نشر ودعم ثقافة التطوير التي دعت إليها التقنية والتكنولوجيا الحديثة، كما وجهت القيادة السياسية إلى ضرورة توفير المناخ الداعم للاستثمار في قطاع الصناعة بشكل متكرر وصريح كي يحدث التطوير وفق رؤية مسببة تقوم على فلسفة وأهداف ملموسة يتمخض عنها معايير تشكل الإطار الذي يعتمد عليه التطوير بما يحقق رفع الإنتاجية وزيادة معدل النمو.
وبما لا يدع مجالًا للشك، فإن نجاح أداء المؤسسات الصناعية يقوم على المتابعة والتقييم في ضوء استراتيجية واضحة، تتجنب إخفاقات الماضي، وتفي باحتياجات الحاضر، وتراعي تطلعات المستقبل مقرونًا بالتنبؤ المبني على سيناريوهات علمية للكشف عن التغيرات المستقبلية، بما يمكن تلك المؤسسات من الريادة والقدرة التنافسية على المستوى المحلي والعالمي.
وتحث الدولة المصرية، متمثلة في قيادتها السياسية الرشيدة، على تعميق الصناعة المحلية والتوسع في مساراتها واكتمال مراحلها؛ بداية من المورد الخام، ونهاية بتصدير المنتج في صورة لا يقابلها مثيل، وتمدد الشراكات مع دول العالم في مجالات الصناعة لتحدث طفرة النهضة وتتحقق القيمة المضافة للمنتج المحلي، ويصل لمستوى العالمية والتنافسية تواكبًا مع الازدهار التقني المتسارع، بما يحقق النمو المأمول والتنمية المستدامة في هذا القطاع المهم بالجمهورية الجديدة.
وحري بالذكر أن جمهورية مصر العربية بموقعها الفريد ومناخها المواتي، وما بها من مقومات صناعية مرتبطة بالمهارة البشرية والموارد والثروات الطبيعية، بالإضافة لمصادر الطاقة المتعددة بها- تُعدّ مؤهلة لأن تكون رائدة في هذا القطاع على المستوى الإقليمي والعالمي، وشهادة حق فقد فطنت القيادة السياسية لذلك وبادرت بتهيئة البيئة الجاذبة لقطاع الصناعة والاستثمار، بعد تحقيق معادلة الأمن والأمان والاستقرار المجتمعي؛ إذ أكدت على تفعيل حزمة التشريعات والقوانين المنظمة والميسرة والمحفزة للاستثمار في قطاع الصناعة على مستوى المستثمر المصري والعربي والأجنبي، ومن ثم وجهت القيادة السياسية لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لدعم قطاع الصناعة المصرية.
وجهود الدولة المصرية لا تتوقف عند حد الإنتاج والتصدير، بل أضحت متطلعة لتدشين أسواق ذات طابع عالمي بما يسهم في ريادة الدولة عبر صادراتها ذات الصبغة التنافسية والمواصفات القياسية، متبعة في ذلك الأسلوب العلمي وفق خطة منهجية تحرص على جذب العميل وتلبي احتياجات ومتطلبات وتطلعات الأسواق العالمية، ومن ثم تساعد في جذب المزيد من الاستثمارات العالمية على أرض المحروسة التي تزخر بمقدرات لا يناظرها مكان في العالم بأسره.
لقد حبى الله مصر بقيادة سياسية فاعلة ومستنيرة وضعت البلاد على الطريق الصحيح؛ إذ هيأت لها شبكة مواصلات متنوعة تسهل وتيسر النقل للسلع والمنتجات لتداولها في الأسواق المحلية والعالمية، وتوفر عنصر الأمن والأمان لتصل إلى مبتغاها، كما أوجدت فرصًا متوالية ومتتالية وفق خطط التوسع والتطوير في هذا القطاع المتمدد بفضل الرؤية السديدة لقيادتنا السياسية الحبيبة.
والدارس لثروات مصر يعلم أن بها العديد من المواد والموارد الخام اللازمة للصناعة؛ فمنها النباتية بتنوعاتها؛ كالخضر والفاكهة والأقطان والكتان وقصب السكر، وغير ذلك، مما يصعب حصره في هذا المقام. كما يتوافر فيها المعادن بصورها المتعددة والتي تعد لبنة الصناعات التعدينية ومنها، الفوسفات والبازلت والكوارتز والحديد والنيكل والكروم والبوتاس والتيتانيوم وغيرها أيضًا، مما يصعب ذكره. وعلى مستوى المورد الحيواني فهناك وفرة في مدخلات الصناعات الجلدية والألبان، والأمر ليس من قبيل السرد بل إشارة إلى أن هناك من المقومات ما يحتم نهضة الصناعة المصرية؛ لتصبح من الدول المنتجة والمصدرة في ضوء تعظيم القيمة المضافة لمقدراتها الصناعية.
لقد أضحت التنمية المستدامة، في البُعد الاقتصادي، مرهونة بالشمولية والتي تعني توفير مقومات النهوض بالصناعة الوطنية من خلال توفير الأراضي والمدن والمجمعات الصناعية المدعومة بالمرافق من بنية تحتية متكاملة وشبكة طرق لوجستية قوية، بالإضافة إلى توفير برامج تمويلية مرنة للمستثمرين، وبالطبع لا ينفك ذلك عن آليات تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص؛ حيث يُعدّ ذلك محركًا رئيسًا لنهضة وازدهار الاقتصاد في مصرنا العزيزة؛ فقد ساهمت الشراكة في طمأنة المستثمر الأجنبي، وساعدت في نفاذ مصر إلى الأسواق العالمية بكامل طاقتها.
ويتسق مع شراكة القطاع الخاص في مجال الصناعة، شراكة الجامعات بما تحمله من خبرات علمية ومهنية في هذا المضمار؛ فالعمل اللصيق مع الجامعات يؤدي حتمًا إلى فوائد متعددة؛ منها تحسين وتطوير البرامج الجامعية لمواكبة التطلعات، وتحقيق الآمال والطموحات الخاصة بالمستهلك، ويعود بتطوير المهارات الفنية والأكاديمية للخبراء في التعليم الجامعي، وبالطبع ينعكس المجال البحثي بالجامعات على ما يطور المنشآت الصناعية ويزيدها خبرات عملية وتقنية، كما يسهم في تمكين تأهيل الخريج الذي يطلبه سوق العمل، نظرًا لما يمتلكه من مهارات ابتكارية تُثري المجال.
وتتميز الشراكة القائمة بين المؤسسة الجامعية والمؤسسات الصناعية بتعدد أنماطها؛ ليتحقق من خلالها التنمية المستدامة في الاتجاهين الأكاديمي والمهني، فهنالك شراكة تقوم على دور المؤسسة الجامعية في تدريب وتعليم الفرد وتقديمه في صورة مؤهلة لقطاع الأعمال، وهنالك شراكة تقوم على نتاج البحث العلمي الذي يتم توظيفه أو تطبيقه في المؤسسة الصناعية وفق بروتوكلات مبرمة سلفًا؛ وهنالك شراكة تقوم على تقديم الدعم الفني والتقني والعلمي لمواجهة التحديات والصعوبات والمشكلات التي قد تواجهها المؤسسة الصناعية؛ وهنالك شراكة متمثلة في التبادل الخبراتي بين المؤسستين، حيث التكامل بين النظرية والتطبيق، بما يعود بالنفع على كليهما.
وفي خِضَم النهضة الصناعية الرائدة بالجمهورية الجديدة، وفي ضوء الرعاية الرئاسية الجلية لهذا القطاع، يتوجب على المؤسسة الجامعية أن تشارك بفعالية من خلال الدراسات العلمية لتعضيد المشروعات الصناعية القومية بصورها المتعددة؛ لتضع من الابتكارات ما يثري هذا القطاع الوطني المهم؛ لذا بات إعادة النظر في الخريطة البحثية الجامعية لتواكب النهضة الصناعية المصرية الكبرى، وبما يلبي احتياجات المؤسسات الصناعية المصرية لتحل الريادة وتمتلك الميزة التنافسية وتحقق الاستدامة، وفي الجانب الموازي يتوجب الاستفادة من نتائج البحوث المتميزة، ومن ثم ضرورة زيادة التمويل البحثي من جانب القطاع الصناعي بتنوعاته وروافده المتعددة.
حفظ الله بلادنا، ووفق قيادتنا السياسية لمزيد من التقدم والنهضة والازدهار لما فيه خير البلاد والعباد، ووفّق المخلصين من أبنائها البارين في رفعة شأنها وعلو رايتها عالية خفاقة.