الأربعاء الماضى كان كاشفا لى عن أمور مهمة فى قضية ظللت أبحث عن تفاصيل خاصة بها لسنوات طويلة، وهى الوجود الإسرائيلى فى القارة الأفريقية، ومقارنته بالوجود العربى خاصة مصر، وسبق أن رصدت من خلال مقارنة أن وجد تل أبيب الرسمى على سبيل المثال فى دول حوض النيل ربما يكون أقل من الوجود المصرى سواء سياسياً أو اقتصاديا، لكن تتفوق إسرائيل بمستثمريها ورجال أعمالها المنتشرين فى دول حوض النيل، ولهم مشروعات مرتبطة باحتياجات المواطنين هناك، فى المطاعم والمستشفيات والمشروعات الخدمية.
وعلى امتداد القارة هناك وجود إسرائيلى واضح، وربما كانت واقعة رفع لاعب منتخب غانا جون بستيل علم إسرائيل احتفالا بإحرازه هدفاً فى كأس العالم 2006 مؤشرا قويا على التغلغل الإسرائيلى فى قلب المجتمعات الأفريقية، وكانت النتيجة ما نراه كل يوم من دعم أفريقى لتل أبيب فى مواقف كثيرة. أقول إن الأربعاء الماضى كان كاشفا لى، لأنه بعد ساعات من إعلان وزير الخارجية الفلسطينى رياض المالكى من العاصمة السودانية، الخرطوم، أن العمل يجرى بين القياديتين الفلسطينية والسودانية لـ«وضع استراتيجية للتحرك فى القارة الأفريقية والتنسيق للجم أى محاولات إسرائيلية لإحداث اختراق فى أفريقيا، كشفت إسرائيل أنها استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع غينيا، بعد أن قطعت هذه الدولة فى غرب أفريقيا قبل 49 عاما العلاقات مع إسرائيل فى أعقاب الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية عام 1967، حيث وقع المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دورى جولد، ومدير مكتب رئيس غينيا، إبراهيم خليل كابا، على إعلان مشترك فى العاصمة الفرنسية باريس لاستئناف العلاقات الدبلوماسية. ما حدث هو خير شاهد على الوضع الذى نعيشه، فى الصباح نتحدث عن خطط واستراتيجيات، وفى المساء يجنى الإسرائيليون ثمار ما يعملون من أجله ونتائج تحركهم على الأرض.
الشاهد فيما حدث الأربعاء الماضى أننا كعرب مازلنا متمسكين بسياستنا المرتكزة على الكلام فقط، نعشق المؤتمرات والبيانات والتصريحات الرنانة دون أن يكون لدينا خطة واضحة ومحددة للتحرك لمواجهة المخاطر التى تحيط بنا، كلنا نعلم منذ فترة التمدد الإسرائيلى فى القارة الأفريقية، ونرصده عن قرب، فكل من سافر دولة أفريقية سيرصد بعينيه الوجود الإسرائيلى القوى فى دول القارة التى كانت مرتبطة فى الماضى مع الدول العربية سياسيا واقتصادياً، لكنها اليوم تبنى تحالفات استراتيجية مع تل أبيب، لأنها فقدت الأمل فى العرب.
كلنا نظرنا لجولة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الأخيرة لأربع دول أفريقية من دول حوض النيل، وبدلاً من أن نحلل الزيارة ونرصد أبعادها وكيف نستعيد قوتنا المفقودة فى أفريقيا، نجلد أنفسنا نتكلم ونتكلم دون أى فائدة، هاجمنا الحكومة والدولة وقلنا فيها ما نقوله كل يوم من أحاديث إنشائية نكررها فى مثل هذه المناسبات، لكن للأسف بعد يومين أو ثلاثة أغلقنا الموضوع فى انتظار تفجير قضية أخرى نتحدث فيها، دون حتى أن نكلف أنفسنا بالبحث عن الحلول.
تحليل المشكلة سيصلنا إلى الحلول، ومنها على سبيل المثال ما قلته من قبل أن رجال أعمالنا ومستثمرين عليهم دور وطنى فى هذه القضية، لأن الدول أيا كانت إمكانياتها لن تستطيع تلبية احتياجات الدول الأفريقية فى التنمية، لذلك يجب على رجال أعمالنا أن يكون لديهم القوة والجرأة لاقتحام الأسواق الأفريقية المليئة بالفرص الاستثمارية التى تنتظر من يستغلها، لتحقيق مكاسب شخصية للمستثمر وللدولة التى سيستثمر بها وللدولة التى ينتمى لها، كما يفعل الإسرائيليون والأتراك والإيرانيون والصينيون والفرنسيون وغيرهم من المستثمرين.