بما أن أهم موارد تشكيل الوعي المباشر هو "التعليم"، والذي تعتبر المنظومة التعليمية القائمة هي مصدرة الأساسي، وكلما ارتقي هذا التعليم وازدهرت منظومته، وآتت أُكلها وحققت أهدافها، ارتقي المجتمع من خلال إخراج أجيال من المراحل التعليمية المختلفة، قد استوعبوا وتعلموا ما يقدم لهم من مناهج موضوعة بعناية تضاهي أحدث طرق التعليم التي يعمل بها العالم، لا إخراج أجيال من حاملي شهادات تعليمية غير ذات قيمة، عندما يخرج هذا الطالب ليس أسعد حالاً مما دخل، وفي هذه الحالة لا تكون هناك أية قيمة لتلك الشهادة التي لا تتعدى كونها مجرد حبر على ورق.
فقد أعلن مؤخراً الدكتور عمرو هاشم ربيع، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، الموافقة على فكرة إنشاء المجلس الوطني الأعلى للتعليم من حيث المبدأ.
وطالب خلال جلسة خاصة لمناقشة مشروع القانون المُحال للحوار الوطني بإنشاء المجلس الوطني الأعلى للتعليم والتدريب ضمن موضوعات لجنة التعليم، واعتبار هذا المجلس أو تلك المفوضية مستقلة ولها شخصية اعتبارية وأن تكون تابعة لرئيس الجمهورية وليست تابعة لرئيس الوزراء.
وأشار إلى أهمية أن تكون مدة أعضاء المجلس 4 سنوات تجدد لمرة واحدة وليست مفتوحة، إلي جانب إمكانية اقتراح مشروعات القوانين وميزانيات المؤسسات التعليمية، على أن يقدم المجلس تقريرا سنويا، وليس كل عامين، بحيث تقدم نسخة منه لرئيس الجمهورية 'ليس فقط للبرلمان والحكومة".
وكما نعلم:
فلن تنصلح منظومة التعليم التي تعد على رأس أولويات إصلاح المجتمع، والمنوط بها إعادة تشكيل وعي أجيال المستقبل، بما يتناسب وخطة إصلاح شاملة لما أفسدته سنوات وعقود من التراجع، دون وضع خطة طارئة يعمل على تنفيذها مجلس مستقل من المخلصين وأصحاب الكفاءات، كهذا الذي سوف تتم مناقشته بإحدى جلسات الحوار الوطني، على أمل بإقراره وطرحه للتشكيل والعمل بأسرع وقت ممكن.
فإن تحدثت عن "التعليم" وما أصابه من تدهور بالعقود الثلاثة الماضية، سأختص التربية التي كانت حتى زمنٍ قريب تسبق التعليم.
على سبيل المثال:
التربية النفسية:
فلم يعد هناك تربية نفسية بالمدارس مثلما كان بالماضي، إذ كانت بكل مدرسة الأخصائية الإجتماعية بشكل أساسي والتي يلجأ إليها أي طالب يتعرض لمشكلة ما، أو يلاحظ مدرسه أنه بحاجة لزيارتها للتحدث معه والتعرف على ما بنفسه من مشكلات قد تكون السبب في أي سلوك غير مألوف يصدر عنه .
التربية الرياضية:
والتي كانت نشاطا أساسيا بجميع المدارس والجامعات، فقد كانت هناك فرقاً رياضية في كل أنواع الرياضة وعلى أعلى مستوى من التدريب والتأهيل لخوض المسابقات بين المدارس والتي كانت عاملاً أساسياً في تربية الأجيال بدنياً.
إذ كنا آنذاك نري اللافتات المكتوبة التي يعرفها كل منا جيداً و يحفظها عن ظهر قلب مثل (العقل السليم في الجسم السليم) .
ولكننا بسنوات الفساد التي كانت وفي ظل التطورات الحديثة بجميع مدارس الدولة العامة والخاصة لم يعد هناك حصص مخصصة للرياضة ولا فرق رياضية ولا مسابقات ولا غيره.
التربية الفنية:
تلك التي لم يعد لها ذكر من بابه، فأين المسرحيات المدرسية التي كانت تقدمها فرق التمثيل بالمدارس وتنظم الوزارة لها مسابقات سنوية، وأين مسابقات إلقاء الشعر وفرق الرقص والموسيقى والكورال، وأين حصص التدبير المنزلي والأشغال اليدوية التي كانت حصصاً أساسية بالجدول الدراسي اليومي؟
فقد كنت من آخر أجيال سعداء الحظ الذين حظوا بالتربية المدرسية والجامعية بجانب التربية الأسرية، لكن بكل أسف لم يعرف عنها أولادي أي شىء !
إذن فجزء كبير من الجرم الذي أصاب المجتمع في عصبه من الأجيال الجديدة بالعقود الماضية، يقع على عاتق التربية التي فارقت منظومة التعليم قبل أن يفارق التعليم نفسه منظومته البالية.
ولكن:
في ظل إرادة الدولة وقيادتها التي انتفضت لإصلاح ما أفسدته السنوات بكل المناحي والمجالات بطريقة متوازية، قد تم وضع خطة لتطوير منظومة التعليم وفقاً لمعايير مدروسة لإعادة إدراجها بالتصنيف العالمي، بعد أن خرجت منه بفعل سنوات الإنحدار والفساد الذي نال من كل شىء.
إذ أصرت ألا تستسلم لإحباطات لا أول لها من آخر من قائمة طويلة تضم هؤلاء المنتفعين، الذين لا يسعدهم ولا يتناسب وأهواؤهم أن يتم تطوير منظومة التعليم المهلهلة التي أطاحت بمستقبل أجيال بعينها من الجهال الحاملين لشهادات جامعية بمختلف التخصصات.
وما زالت عملية الإصلاح مستمرة، وما زلنا في انتظار عودة المنظومة التعليمية لسابق عهدها وبكامل إمكاناتها التي كانت تهتم بالتربية إلى جانب التعليم بل ربما تسبقه.
فكلما ارتقى مستوى التعليم بأمة ارتقت مستويات وعي وأخلاق مواطنيها درجات.