لا شك أن الوضع في السودان معقد للغاية، وروافد أزمته متعددة سواء من داخله أو من خارجه، والتخوفات أصبحت متعددة حال عدم الوصول إلى اتفاق يخرج البلد من نفق مظلم، لا يعلم مداه إلا الله، لذا ما يجب التحذير منه في ظل كثرة الحديث عن عدة تصورات أو بدائل، أخطرها تصور قوى مدنية على اختلاف مكوناتها أن طريقها للحكم يبدأ من قهر المؤسسة العسكرية، متناسين أن في كل دول العالم لابد أن يكون هناك احتكار للأمن والسلاح من قبل المؤسسة العسكرية الوطنية، وأن إحدى دعائم الدولة والنظام العام تتمثل في اصطفاف القوات المدنية مع القوة العسكرية الوطنية.
لذا، نقول إن أي بدائل بعيدة عن هذا الاصطفاف فهى بدائل لا تحمل الخير أبداً، حتى لو تذرعت بعض القوى بالتحجج بضرورة خروج طرفى النزاع من المشهد، أو التخلص من قادة الحرب من الطرفين، لأن هذا ببساطة يعنى إتاحة الفرصة إلى خلق حالة فوضوية في الداخل من ناحية، ويمنح المجتمع الدولى أو أطراف خارجية فرصة التدخل مستغلة قوانين ومواثيق دولية وأممية، باعتبار أن ما يجري يمثل تهديداً للأمن والسلم الإقليمي والدولي معاً.
وللأسف فإن مثل هذا البدائل في كل أحولها تلغي شخصية السودان وتحاصر سياسييه وتضع ثرواته تحت وصاية دولية، والنماذج كثيرة وليست ببعيدة عن وطننا ومناطق الصراع في بلدان عربية.
نهاية.. يجب أن يلتف السودانيون حول وطنهم أولا، وأن لا يسمحوا بإضاعة بلدهم، وأن يعى المجتمع الدولى خطورة ما فعله بشأن سياسته الغير حيادية في باطنها، حيث يدعو ظاهريا إلى ضرورة مسار سياسي يعيد السودان إلى المسار الصحيح من دون إخلال بأدوار المؤسسات الوطنية أو العمل على طمس وجودها الطبيعي، في حين أن باطنه وعلى الأرض يُمارس دورا مغايرا تماما لما يدعيه علنا، وليس ما حدث في الاتفاق الإطارئ ببعيد، حيث كان الادعاء ظاهريا بأنه سيفتح الباب أمام تحولات جذرية نحو حكم مدني بعد فترة انتقالية محسوبة، وضمانات دولية وأفريقية، لكنه في حقيقة الأمر كان سببا في الأزمة الحالية والصدام الحادث الآن بين طرفى الصراع، فتم الانحياز إلى أطراف مدنية معينة ضد أخرى، وتجاهل المطالب الخاصة بضرورة دمج كافة المكونات العسكرية، وهو ما يدفع ثمنه السودان الآن..